إن ارتفاع نسب الفقر والبطالة، إضافة إلى حجم الفراغ، يدفعان في النهاية بمجموعة من الشباب المتعلمين إلى استثمار معارفهم في أنشطة إجرامية معلوماتية، من قبيل سرقة الحسابات الإلكترونية أو “تهكير” البطائق البنكية، بهدف الحصول على عائدات مالية؛ أضف إلى ذلك أن بعض الفئات منهم أصبحت تلجأ إلى هذه الأنشطة الإجرامية كوسيلة لتحقيق الشهرة وتلبية حب الظهور.
كانت هذه أبرز الخلاصات التي توصلت إليها دراسة سوسيولوجية حديثة، نشرت ضمن العدد الأخير من مجلة “العلوم الاجتماعية”، الصادرة عن “المركز الديمقراطي العربي”، وأوردت أن “انتشار استخدام التكنولوجيا الحديثة للإعلام والاتصال فرض واقعا جديدا أثر على حياة الأشخاص والمؤسسات، تارة على نحو إيجابي وتارة أخرى على نحو سلبي”.أحد أوجه هذا التأثير السلبي انتشار الجرائم الإلكترونية التي “رغم الجهود المبذولة للحد منها إلا أننا أصبحنا اليوم في مواجهة، ليس فقط الزيادة في عددها، بل أيضا في نوعيتها، إذ كشفت الدراسات الجنائية عن تطور الجريمة خلال السنوات العشر الماضية من حيث أساليب ارتكابها وتنفيذها”.
الدراسة ذاتها، المعنونة بـ”تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في انتشار السلوكيات المنحرفة والجرائم الإلكترونية لدى فئة من شباب ومراهقي مدينة مكناس، مقاربة سوسيولوجية”، هدفت إلى الكشف عن طبيعة الجرائم الإلكترونية التي يرتكبها مراهقو وشباب المدينة الإسماعلية عبر وسائط التواصل الاجتماعي، والبحث في كيفيات تحول المواقع الافتراضية إلى أرضية خصبة لارتكاب هذه الجرائم، مع البحث عن التبعات النفسية والاجتماعية لهذه الأخيرة على الضحايا.
واستنج المصدر عينه أن “الإناث هن الأكثر استهلاكا لوسائل التواصل الاجتماعي”، وهو ما فسره بـ”طبيعة المجتمع الذي يتيح للذكور إمكانية القيام بأنشطة خارجية مقارنة بالإناث”، موردا أنه انطلاقا من عينة الدراسة اتضح أن “حجم ارتباط الشباب بشبكات مواقع التواصل الاجتماعي مرده إلى كون أغلبهم يمتلكون أكثر من حساب شخصي على هذه المواقع”، كما أن أغلبهم يتخفون خلف حسابات وهمية وأسماء مستعارة، وهو الأمر الذي “يمكن أن يعزى إلى أسباب اجتماعية من قبيل التواصل مع الجنس الآخر أو الخوض في مواضيع حساسة لا يقبلها المجتمع، أو أسباب ذات طبيعة انحرافية وإجرامية، كالابتزاز والتسول والعمل الجنسي”.
وفي السياق ذاته أوضحت الدراسة أن “العالم الافتراضي شجع بعض الفئات على ممارسة سلوكيات منحرفة قد يصعب ارتكابها في الواقع الحقيقي بكل سلاسة، دون إظهار هوياتهم”. وقد تتعدد صور وأشكال هذه الانحرافات والجرائم عبر مواقع التواصل الاجتماعي والتطبيقات الذكية، لتتخذ صورا متعددة، على غرار الابتزاز والتسول الإلكترونيين والنصب والاحتيال، إضافة إلى العمل الجنسي من خلال الطرق الحديثة للدعارة.
وحول الدوافع التي تفسر هذا الإجرام الإلكتروني بتعدد أشكاله، أوضح المصدر سالف الذكر أن “الجريمة الإلكترونية شأنها شأن الجريمة التقليدية ترتبط بمجموعة من الأسباب والعوامل، أهمها الفقر والبطالة اللذان عرفا انتشارا كبيرا في صفوف المجتمع المغربي، خاصة بعد جائحة كورونا”. وفي هذا الصدد، “توقعت المندوبية السامية للتخطيط أن معدل البطالة سيظل مرتفعا خلال السنوات اللاحقة، لأن أكثر من ثلاث مائة ألف شخص جديد يصلون إلى سوق العمل بشكل سنوي”.
إضافة إلى هذا السبب الموضوعي هناك أيضا أسباب ذاتية تتجلى في “الرغبة في تحقيق المتعة الشخصية”، ذلك أن “الرغبة في إشباع أنانية الفرد الجانح والتلذذ بتعذيب الآخر، إضافة إلى السعي إلى تحقيق الذات وتملك قدرات خارقة في العالم الافتراضي وتوظيفها أيضا في الانتقام من شخص أو جهة معينة”، هي الأخرى تفسر السلوك الإجرامي الإلكتروني للشباب، وفق المصدر ذاته.
كما أن طبيعة العلاقة بين الجنسين في المجتمعات العربية وصعوبة الدخول في علاقات مباشرة نظرا لعدد من المعيقات الدينية والثقافية والاجتماعية تدفع أحد الطرفين إلى “التحرش بالآخر عبر الأنترنيت، لما توفره هذه التقنية من إمكانية للتخفي”. وتفسر هذه السلوكيات بـ”معاناة المتحرش من نوع من الكبت الجنسي بمفهوم عالم التحليل النفسي سيغموند فرويد”.
وخلصت الدراسة إلى أنه “رغم الآثار الإيجابية التي خلفها ظهور الشبكة العنكبوتية إلا أنه طفت على السطح جرائم وسلوكيات معادية للمجتمع وأخرى ضد القانون، يصعب ارتكابها في الواقع الفعلي رغم تشابهها مع الجريمة التقليدية في أركانها التي تفترض وجود مجرم وضحية ودافع”، مبرزة أن “هذا النوع من الجرائم له تأثيرات سلبية على البناء النفسي والعلائقي للفرد، وكذا قيم ومعايير المجتمع”.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
تسريب عدة وثائق عسكرية أميركية سرية نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي
دراسة وسائل التواصل الاجتماعي قد تؤثر على نمو أدمغة المراهقين
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر