واشنطن - يوسف مكي
يغرق سكان الأرض مع الذكاء الاصطناعي "Artificial Intelligence" واختصاره "A I" ويصبح حالهم كحال تلك السفينة مع ماء المحيط ويبقى الرجاء معلّقًا على أن يسعف الذكاء البشري الناس في تفهّم نظيره الاصطناعي، وأن يتفاعلوا بحكمة معه كي لا ينتهوا إلى مصير الهلاك، يرافق ذكاء الـ"A I" البشر على مدار الساعة فهو يحيط بهم من جميع جوانب حياتهم اليومية ويرافقهم في أبسط أشيائهم حيث ينبث في أجهزة الكومبيوتر والخليوي واللوح الذكي وآلات الصرّاف الآلي ومحطّات الغسل الآلي للسيّارات والآلات الحاسبة وساعة الـ"غير" ونظّارة "غوغل" وسوار "فت بت" وأجهزة المختبر، وآلة قراءة الـ"البار كود" على السلع والهويات وجوازات السفر ومجسّات الركن الذاتي في السيّارات الحديثة وطائرات الـ"درون" وآلات تحضير القهوة أوتوماتيكيًا والقائمة طويل جدًّا.
ولا يزال الرأي العام عاجزًا عن فهم تلك التكنولوجيا جيّدًا بل يحجم شريحة كبيرة من الجمهور حتى عن محاولة فهم الـ"A I" الذّي يطوّقهم تمامًا ووسط ما يشبه فراغًا فكريًّا، برزت مجموعة متنوّعة من الأفكار السلبيّة عن مسار ثورة المعلوماتيّة والاتّصالات المتطوّرة التّي تتمحور كليًّا حول الذكاء الاصطناعي وإنجازاته وتطوّره، وترسم صورة كوارثيّة عن مصير البشر في حال استمرار اعتمادهم على الـ"A I"، ونلاحظ أنّ ثمّة مبالغات كبيرة في ذلك النوع من المزاعم التّي تتضمّن مغالطات كثيرة تدلّ على عدم تمكّنها من سبر أعماق ظاهرة الذكاء الاصطناعي وبالتالي ربما بات الوقت مناسبًا لدحض 5 من تلك المعتقدات الخاطئة والمدمّرة وهي نموذج عن أفكار أخرى مماثلة:
- يقضي على معظم الوظائف:
يؤكّد الكثيرون أنّ الـ"A I" سيحفّز طفرة إنتاجيّة كبرى تقضي على الوظائف بوتيرة سريعة جدًا ومع تفوّق وتيرة تقدّم الاقتصاد على فرص الوظائف تنشأ طبقة دنيا من العاطلين من العمل وتهيمن عليها نخبة من "مالكي آلات الذكاء الاصطناعي"، وتنطوي وجهة النظر المدمّرة هذه على خطأين كبيرين أوّلهما أنّها تبالغ في تقدير قدرة الـ"A I" على استبدال البشر الذين يتميّز ذكاؤهم بأنه مركّب ومتعدّد فيما ما زال نظيره الاصطناعي يعمل بطرق أحاديّة غالباً، وثانيهما أنّه من الصعوبة بمكان أن تزول وظائف لا حصر لها عن الوجود بسبب التكنولوجيا الذكيّة.
- يجعلنا أغبياء:
يؤكّد بعض الأشخاص اليائسين أنّ الـ"A I" سيحوّلنا إلى بشر "آليين" بمعنى الاعتماد على الآلات بشكل مبالغ به، ويرون أنّ الوضع سيؤول إلى حال يفقد فيها البشر تدريجيًّا مهاراتهم الأساسيّة ما يعني أنهم لن يعودوا قادرين على السيطرة على مجريات حياتهم في حال حصول توقّف مفاجئ للآلات الذكيّة، حتّى إن تخطّينا الخوف غير المبرّر من الآلات الذكيّة باعتبار أنّها ستسلب منّا وظائفنا، ربما يصح القول أنّ الطلب سيقلّ على عدد من المهارات متى أصبح الذكاء الاصطناعي قادرًا على تولّي مهام روتينيّة اعتاد البشر على إنجازها، ويشبه ذلك القول بأنّ السيارات جعلت من التمرّس في معرفة امتطاء الخيل غير ضرورية لمعظم البشر، بعد أن كانت أمرًأ أساسيًا في حياتهم. ويمنح التفاعل المستمر بين البشر وظاهرة الـ"A I" مجالات واسعة أمام مهارات بشريّة مبتكرة خاصّةً طرق تعليم الآلات وتدريبها واستنباط تقنيات التحكّم في تقنيات شائعة وغيرها.
- يقضي على خصوصيّة الإنسان:
يُذكر أنّه إذا وصلت الآلات الذكيّة إلى درجة شبه بشريّة في التعامل مع الأعداد الهائلة من البيانات فلا شكّ في أنّها ستقضي على خصوصيّة البشر، وفي ما تمتلك نظم الـ"A I" القدرة على جمع كميّات ضخمة من المعلومات وتحليلها، لا يزيد تهديدها لخصوصية الناس عمّا يحصل لهم عندما يعيشون في ظل أنظمة قمعيّة لا تستخدم الذكاء الاصطناعي لكنها تعمل على جمع كميّات ضخمة من المعلومات عنهم وتتمرّس في تحليلها، بقول أوضح ترتبط المسألة أساسًا بالسياسة وليس بالتقنيّات.
- يسمح بالتحيّز والإساءة:
يُعرف أنّ أنظمة التعلّم الآلي أكثر تعقيدًا من برامج الكومبيوتر التقليديّة وقد اتّضح بصورة نسبيّة كيف كانت الأنظمة المحترفة القديمة التي استندت إلى قواعد محدّدة تتخذ قراراتها وفق مشيئتها حتى لو خالفت نتائج تجربتها كما أنّها تعمل وفق نظم تعليم الآلات بصورة مغايرة تماماً بمعنى أنها أنظمة التعلّم الآلي الراهنة التّي تتكيّف وتتحسّن باستمرار بالاستناد إلى تجربتها، و.يزعم بعض الناقدين أنّ هذا المستوى من التعقيد سيولّد "منحى محكومًا برياضيّات الكومبيوتر" ما يعني تحكّمها في الحكومات والمؤسّسات وصولًا إلى حدّ الإخلال بعملها، ووصفت مؤلفة كتاب "أسلحة الدمار الناتج من الرياضيات: كيف تعزّز حزم البيانات الضخمة عدم المساواة وتهدّد الديموقراطية Weapons of Math Destruction: How Big Data Increases Inequality & Threatens Democracy" والذي صدر عام 2016، البروفسورة الأميركيّة كاثي أونيل ذلك الأمر ورأت "بأنّ تطوّر الرياضيّات المتعلّقة بتعليم الآلات طريقة التعلّم من تجاربها ستكون على الأرجح عنصريّة وميّالة للتفرقة الجنسية"، ويشير ناقدون آخرون إلى أنّ المؤسّسات ستختبئ خلف تلك المعادلات وستستعملها لتبرير الاستغلال والتفرقة وغيرها.
- يقضي على الجنس البشري:
يذهب بعض المختصّين إلى القول أنّ آلات الـ"A I" ستتمتع بذكاء خارق وتقرّر أنّها أفضل حالًا من دون بشر، حيث أعرب العالم البريطاني ستيفن هوكينغ وغيره من العلماء الكبار أمثال المؤسّس الأسطوري لمايكروسوفت بيل غيتس و مؤسّس "سبايس إكس" و"تسلا موتورز" إيلون ماسك عن مخاوفهم في شأن "الروبوتات القاتلة" "Killer Robots"، ويبدو أنّ الرأي الذّي يفيد بأن الآلات ستقتلنا ذات يوم يبالغ في تحديد وتيرة التقدّم التكنولوجي خاصّةً أنّ قدرة رقاقات الحوسبة السيليكونيّة على المعالجة تتباطأ على عكس ما ذهب إليه قانون مور Moor’s Law الشهير وعليه فإنّ تطوّر الذكاء الاصطناعي سيتباطأ في التعلّم المعمّق، وتنتمي عقول البشر والآلات إلى نظامين مختلفين كليًّا وحتى إن حصل تقدّمًا كبيرًا جدّاً في مجال الحوسبة فمن المستبعد جدًّا أن يتمّ إنتاج آلة تتمتّع بقدرات البشر في الفكر والخيال والقدرة على التكيّف والاستنباط وابتكار ما ليس موجودًا فعليًّا.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر