كانبرا ـ ريتا مهنا
يعود تاريخ منطقة بيلبارا في غرب أستراليا إلى نحو 3.6 مليارات سنة، وهي موطن للأدلة الأحفورية لأقدم أشكال الحياة على الأرض.في السنوات الأخيرة، أكد العلم ما كان يعرفه دائمًا السكان الأصليون الأستراليون، الذين يمثلون أقدم ثقافة حية مستمرة في العالم، وهو أن منطقة بيلبارا في غرب أوستراليا واحدة من أقدم الأماكن على وجه الأرض.بدأت بيلبارا في التكوّن منذ أكثر من 3.6 مليارات سنة، وتعد مناظرها الطبيعية الشاسعة بألوانها الحمراء العميقة والصور البانورامية التي لا نهاية لها، والتي تمتد من الساحل الغربي إلى حدود الإقليم الشمالي، مكاناً قديما وعرا.
تصل مساحة هذه المنطقة إلى ضعف مساحة بريطانيا العظمى تقريبًا. واعتبر العلماء أن تكوينات بيلبارا الهائلة من الصخور الغنية بالحديد، والتي تشكلت قبل وجود الأوكسجين والحياة نفسها، هي أفضل مثال محفوظ لأقدم قشرة في العالم. وبينما يُعتقد أن رواسب الحديد العالمية الأخرى قد تشكلت في وقت مماثل، فإن سطح بيلبارا لا يزال غير مدفون وغير متأثر بحوادث جيولوجية كارثية.ويقول أستاذ الجيولوجيا في جامعة نيو ساوث ويلز، مارتن فان كرانيندونك، والذي أمضى سنوات في رسم خرائط بيلبارا ودراستها: "الشيء الفريد في المناظر الطبيعية في بيلبارا لا يكمن في عمرها فقط، ولكن يتمثل أيضا في الحفاظ عليها بشكل رائع حتى الآن".
وفقًا لفان كرانيندونك، فإن صخور بيلبارا قديمة جدًا لدرجة أنها لا تحتوي على أحافير داخل هيكلها، ومع ذلك عُثر على صخور ستروماتوليت الرسوبية، وهي الدليل الأحفوري لأقدم أشكال الحياة على الأرض.وفي عام 1980، عثر على أحافير ستروماتوليت عمرها 3.45 مليار عام بالقرب من ماربل بار في بيلبارا. وظهرت مجتمعات البكتيريا الزرقاء الميكروبية لأول مرة عندما لم تكن الظروف على الأرض تدعم أي شكل آخر من أشكال الحياة، وشكلت هياكل شبيهة بالشعاب المرجانية أثناء إطلاقها الأوكسجين من خلال عملية التمثيل الضوئي.
وفي جنوب بيلبارا في هاملين بول بالقرب من خليج القرش (شارك باي)، لا يزال نظام الستروماتوليت الحي والأكثر انتشارًا في العالم مزدهرًا، بل ويتدفق، لأنه ينتج الأوكسجين في هذا الخليج شديد الملوحة. يذكر أن هذا واحد من مكانين فقط على سطح الأرض يوجد به ستروماتوليت بحري حي.في عام 2019، أجرى علماء الناسا تحقيقات في منطقة بيلبارا مع فان كرانيندونك من أجل الاستعداد بشكل أفضل قبل رحلتهم إلى المريخ. وقال كرانيندونك: "لم يكن الكثيرون منهم قد رأوا دليلًا على وجود حياة قديمة، وهذا ما كانوا ذاهبين إلى المريخ للبحث عنه".
ويضيف: "لذلك، بالنسبة إليهم، كانت تجربة رائعة حقًا، لأنها مكنتهم من رؤية وفهم تفاصيل وملمس صخور الستروماتوليت المتحجرة للحصول على فهم أفضل للأدلة التي يجب البحث عنها أثناء بحثهم على سطح المريخ عن دليل على الحياة".ويتجاوز الأمر مجرد العمر الهائل لهذه الصخور، نظرا لأن أوجه التشابه الكيميائية لتكوين الصخور تعني أن منطقة بيلبارا وثيقة الصلة بإعداد العلماء لمهمتهم العلمية على سطح المريخ.ويقول فان كرانيدونك: "تكوين تلك الصخور وكمية الحديد في بيلبارا مذهلة ومشابهة للوضع على سطح المريخ، ولهذا السبب يُعرف المريخ باسم الكوكب الأحمر".
وعلى الرغم من أن المنطقة تبدو وكأنها صحراء شبه قاحلة، إلا أنها واحدة من أجمل المنتزهات الوطنية في العالم. وتبدو حديقة كاريجيني الوطنية وكأنها من عالم آخر، إذ اُقتطعت من الأرض بفعل التعرية البطيئة على مدى مليارات السنين، وتقع في أعماق الوديان القديمة والصدوع ذات الجوانب الشفافة، حيث توجد الشلالات الخلابة وأحواض المياه الصافية بين الصخور.وبالنسبة إلى الزوار، فإن هذه المنطقة عبارة عن جنة من برك الصخور الرائعة التي تغذيها الينابيع الجوفية والنباتات المورقة والحياة البرية الوفيرة.أما بالنسبة إلى العلماء، فتوفر الأخاديد في كاريجيني طريق لا مثيل له إلى المقاطع العرضية المحفورة بشكل طبيعي من الصخور ذات الطبقات المتعددة والتي تكشف الكثير عن الأرض في الوقت الذي تشكلت فيه هذه الأرض القديمة.
قد يهمك أيضَا :
كويكب يمر قرب الأرض اليوم ويتحول لكرة نارية أثناء تحطمه
علماء يزعمون أنه ينبغي تصنيف بلوتو والقمر كـ"كواكب"
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر