رغم تبني المغرب لمقاربة النوع الاجتماعي في العديد من القطاعات الحكومية، لازال هناك قصور كبير على مستوى التفعيل، ذلك ما تبين من نتائج تقرير الميزانية القائمة على نتائج من منظور النوع المرفق لقانون المالية لعام 2019، حيث إنه لازالت هناك فوارق شاسعة بين الرجل والمرأة على مستوى الوصول إلى المناصب العليا، ودخول سوق العمل، كما أن نسبة الهدر المدرسي لازالت مرتفعة في صفوف الفتيات مقارنة مع الصبيان، وهو ما يؤكد أن جهود المغرب في ما يتعلق بإعمال مبدأي الإنصاف والمساواة في المجالين السياسي والاقتصادي، تصطدم بمجموعة من المعيقات تعتبر من كوابح تطور مكانة المرأة.
مشاركة ضعيفة في سوق العمل
وفي الوقت الذي أطلقت فيه الحكومة عددًا من الإجراءات، فيما يخص خلق المقاولات أو الدخول إلى سوق العمل أو القروض، لازالت مشاركة المرأة في سوق الشغل ضعيفة، ذلك ما كشفه تقرير الميزانية القائمة على نتائج من منظور النوع المرفق لقانون المالية لعام 2019، حيث إن معدل المشاركة لعام 2017 يكشف عن فجوة كبيرة بين الجنسين، فمشاركة الرجال تصل إلى 71.6 في المائة، مقابل 22.4 في المائة للنساء.
واستمر انخفاض نشاط الإناث خلال السنوات الأخيرة لينتقل من 28.1 في المائة عام 2000، إلى 22.4 في المائة عام 2017، ويرجع هذا الانخفاض إلى تراجع مشاركة النساء في النشاط الاقتصادي في المدن والتراجع الكبير في فرص العمل للشباب , وفي هذا الشأن، وصل معدل عمل الذكور عام 2017 إلى 66.6 في المائة، مقابل 18.8 في المائة للإناث، ويشير معدل تكافؤ الفرص إلى أن نسبة الذكور العاملين تفوق بأكثر من ثلاث مرات نسبة النساء العاملات. ووفق الوثيقة ذاتها لازالت النساء نشيطات بشكل رئيسي في ثلاثة قطاعات منخفضة الإنتاجية، وهي الزراعة بنسبة 40.9 في المائة، والنسيج بنسبة 44 في المائة والخدمات الاجتماعية بنسبة 43 في المائة.
ويتميز خلق المقاولات بعدم المساواة بين الجنسين، حيث شكلت نسبة النساء 14.1 في المائة فقط، من المستقلين و8.6 في المائة من أرباب العمل، بالإضافة إلى القيود الإدارية والعقارية والمالية التي يعاني منها الجنسين، إذ تواجه النساء صاحبات المقاولات صعوبات ثقافات ومجتمعية متعلقة بالعقليات وعبء المسؤولية الأسرية التي تجعل من الصعب على النساء تكريس أنفسهن بالكامل لإدارة مقاولتهن.
تأنيث الإدارة العمومية
ورغم التطور المهم في نسبة تأنيث الإدارة العمومية، إلا أن ذلك لم ينعكس على مستوى وصول المرأة إلى مناصب المسؤولية، إذ إن 15.3 في المائة سنة 2016 هي نسبة النساء اللواتي استطعن الوصول إلى مناصب القرار، بخاصة وأن حصة النساء في منصب رئيسة قسم ورئيسة مصلحة لا تتعدى 22.5 في المائة , وتبقى، وفق التقرير ذاته، نسبة منخفضة جدًا مقارنة مع المستويات المطلوبة المحددة في 33 في المائة من قبل الهيئات الدولية في مجال المساواة بين الجنسين في الوظيفة العمومية.
وكشف التقرير أن معدل التأنيث في الوظيفة العمومية بلغ نسبة 35 في المائة، إذ تشغل 74 في المائة منهن في قطاعين وزاريين، وزارة الصحة ووزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، وتبقى نسبة النساء من الأطر العليا هي أكثر أهمية في المصالح الخارجية، حيث تشكل 69.61 في المائة، بينما تبلغ هذه النسبة في ما يخص المصالح المركزية 53.39 في المائة، كما كشف التقرير أن عمر الموظفات الذي يفوق 40 سنة، هو 54 في المائة من العدد الإجمالي للموظفات، في حين تشكل الموظفات اللواتي لا تفوق أعمارهن 30 سنة، 18 في المائة من إجمالي الموظفات.
وتعتبر وزارة العدل أكثر الوزارات التي تقصي النساء من المناصب العليا، إذ إن نسبة الموظفات اللواتي يحتلن مناصب المسؤولية لا تتجاوز نسبة 13.1 في المائة، بارتفاع طفيف عن السنة الماضية، ونسبة القاضيات اللواتي استطعن تولي المناصب العليا لم تتجاوز 5.4 في المائة سنة 2017، بانخفاض طفيف عن سنة 2016، كما شهدت مهنة العدول التي تم فتحها في وجه النساء السنة الماضية تمثيلًا متوسطًا للمرأة العدل بـ37.4 في المائة، وهي أكبر نسبة للنساء في قطاع العدل.
وبينت المعلومات ذاتها تطور نسبة دخول النساء إلى وزارة وزارة الوظيفة العمومية، إذ بلغ معدل التأنيث فيها 47 في المائة سنة 2017، مقابل 44 في المائة عام 2011، في حين بلغت نسبة النساء اللاتي يشغلن مناصب المسؤولية حوالي 36 في المائة مقارنة مع عام 2011، وفي هذا الصدد أوصى معدو التقرير بفتح المجال أمام النساء للدخول أكثر إلى المناصب العليا.
وفي ما يتعلق بقطاع التربية والتعليم، فقد وصلت نسبة النساء إلى 44.6 في المائة من مجموع المدرسين، و38.4 في المائة في المصالح المركزية، و9.4 في المائة في المصالح الجهوية من أطر التوجيه والتتبع , ويبقى تمثيل المرأة في مواقع صنع القرار على المستوى المركزي والجهوي منخفضة جدًا، إذ لا تتجاوز على التوالي 15.6 في المائة و7.7 في المائة، من مجموع مناصب المسؤولية.
الهدر المدرسي مرتفع
رغم التطور الإيجابي في تواجد الجنسين في المدرسة، لازالت هناك فوارق من حيث النوع على مستوى التعليم، حيث تبلغ نسبة الفتيات اللواتي يكملن دراستهن في سلكي الإعدادي والثانوي، واللواتي تتراوح أعمارهن ما بين 12 و14 سنة حوالي 86,7 على المستوى الوطني، ولا تبلغ سوى 72.3 في المائة بالوسط القروي، كما أن مستوى معدل دراسة الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن ما بين 15 و17 سنة يبلغ نسبة 63,6 في المائة على الصعيد الوطني، و33 في المائة فقط، في الوسط القروي , وإذا كان معدل الأمية يتجه نحو الانخفاض متنقلًا من 43 في المائة عام 2004 إلى 32 في المائة عام 2014ـ، إلا أن هذه الوتيرة لازالت بطيئة، أي ما يعادل انخفاضًا يناهز نقطة مئوية في السنة.
المرأة في الإعلام
تمثل النساء 20 في المائة فقط، كمواضيع وكمصادر الأخبار اليومية عبر جميع وسائل الإعلام، حيث تضع هذه النتيجة المغرب ضمن الفئة التي تكون فيها النساء أقل حضورًا في الأخبار، رغم أن المغرب يتقدم بالنسبة إلى المعدل المتوسط المسجل في الشرق الأوسط بـ 18 في المائة، في حين يسجل المغرب معدلًا أقل من المتوسط أفريقيًا، والذي يصل فيه ظهور المرأة في الإعلام إلى 22 في المائة والمتوسط العالمي بـ25 في المائة , ووفق التقرير، فإن توزيع الموضوعات ومصادر الأخبار، حسب التخصصات، فالرجال يهيمنون على الساحة الإعلامية في جميع المواضيع، بينما تسجل النساء بروزًا أكثر في المواضيع الاقتصادية بنسبة 35 في المائة، والاجتماعية والقانونية بنسبة 25 في المائة، وفي العلوم والطب بنسبة 18 في المائة، أما المواضيع السياسية فتبرز النساء بنسبة 6 في المائة فقط.
و تبرز النساء كناشطات وكمناضلات في المجتمع المدني بنسبة 38 في المائة، ولا يبرزن كموظفات في القطاع الحكومي إلا بنسبة 25 في المائة، وكعضوات في الحكومة بنسبة 1 في المائة، بينما مجال الأعمال فيبرزن بنسبة 17 في المائة، أما وظائف الخبرة كباحثات أو قاضيات أو محاميات أو وظائف أمنية، فإنهن شبه غائبات.
وتقل الفجوة بين الجنسين فيما يتعلق بالحضور العام للنساء والرجال كصانعي أخبار، إذ تمثل النساء نسبة 46 في المائة من مقدمي الأخبار ومراسلين وصحافيين مقابل 54 في المائة من الرجال , وحسب المواضيع تتناول الصحافيات غالبًا المواضيع المتعلقة بالمجالين الاجتماعي والقانوني بنسبة 52 في المائة، يليهما المجال الاقتصادي الذي يمثل 14 في المائة من المواضيع المتناولة من طرف مراسلات نساء، بينما المجالات الرئيسة الاخرى مثل الشأن السياسي والحكومة والعلوم الطبية والمشاهير والرياضة، فنسبة 10 في المائة لكل منهما , وعلى ضوء هذه المعطيات، وفق التقرير ذاته دائما، فإن المغرب يظل ضمن الفئة المتذيلة للترتيب فيما يخص حضور المرأة في الإعلام الإخباري، على الرغم من أنه يسجل مرتبة أفضل، لكن في المقابل يسجل وجودًا نسائيًا مهمًا كمهنيات.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر