الرباط -وكالات
"هناك تحسن كبير في حرية الصحافة بالمغرب"..بهذه النظرة المتفائلة يرى مصطفى الخلفي، وزير الاتصال، أوضاع الصحافة بالبلاد، وهو التصريح الذي طالما ردّده الخلفي في كل المحافل والندوات الصحفية، مستدلا بعدم تسجيل أي حالة سجن صحفي، أو إغلاق موقع إلكتروني، أو مصادرة جريدة وطنية، وكذا بتراجع القضايا الصحافية المعروضة على المحاكم، ثم تَقدُّم المغرب لدرجتين في سلم منظمتي "مراسلون بلا حدود" و"فريدوم هاوس".
واقع الحال يقول غير ذلك، فتناسل حالات التعنيف والاعتداء على الصحفيين والمراسلين في مختلف مناطق المغرب، واعتقال البعض منهم بسبب ما يتم نشره، يؤشر على أن "السلطة الرابعة" بالمغرب لا تزال حبيسة عهدها القديم، وأن فترة المخاض الذي لا زالت تعيشه "مدونة الصحافة" لن يأتي سوى بولادة قيصرية عسيرة، تقول الوزارة الوصية إنها مدونة ستخرج بشكل حديث، و"تخلو من العقوبات السالبة للحرية، وتقوّي من دور القضاء".
هذا الواقع جعل محمد العوني، الناشط الإعلامي والحقوقي، يعتبر الخطابات الرسمية والنقاشات التي تطلقها السلطات الوصية، تبقى في واد، والتطبيق والتشريع في واد آخر، وهو ما يؤكد التناقض الحاصل لدى صانعي القرار في المغرب"، والذي يجسد التردد الرسمي في الانتقال إلى حرية الإعلام تردّدَه في الانتقال إلى الديمقراطية".
سحب الاعتماد وتعنيف
قبل سنة، أقدمت وزارة الاتصال على سحب اعتماد الصحافي بوكالة الأنباء الفرنسية بالمغرب، عمر بروكسي، بسبب ما قالت عنه الوزارة إقحاماً للمؤسسة الملكية في صراع انتخابي، في إشارة إلى ما تضمنته قصاصة أنجزها بروكسي بعبارة "الانتخابات الجزئية بطنجة يخوض غمارها مرشحون مقربون من القصر"، كناية على مرشحي حزب الأصالة والمعاصرة، وهي العبارة التي عدلتها الوكالة فيما بعد، معتبرة، عبر مدير أخبارها الدولية، فيليب ماسونيه، أن هدف التقرير "لم يكن سوى الإخبار ووضع الأمور في سياقها دون المس بأحد أيا كان."
وكان بروكسي، قبل سحب اعتماده بشهرين، قد تعرض لاعتداء من طرف قوات الأمن، أثناء تواجده في المظاهرة المناهضة لطقوس حفل البيعة والولاء، وهو الموعد الاحتجاجي الذي عرف تدخلا أمنيا عنيفا ضدّ الحاضرين بمن فيهم الصحفيين، قبل أن تسارع وزارة الاتصال إلى الاعتذار للوكالة الفرنسية للأنباء، دون الصحفيين المغاربة، ما أثار غضب هؤلاء، خصوصا أن بروكسي كان شاهدا على ما وصفه بـ"شتم واحتقار وضرب عدد من الصحفيين المتواجدين في الوقفة".
حالات التعنيف بلغت أشدها في احتجاج ليلة الجمعة 02 غشت الماضي، ضد قرار العفو الملكي على مغتصب الأطفال الإسباني، حيث تعرض العديد من الصحفيين والمصوّرين للضرب وتكسير الكاميرات، فيما شوهد تساقط بعضهم على ساحة البرلمان وتألّمهم من شدة هراوات قوات الأمن العنيفة..إنه "اغتصاب ثالث تعرض له الجسم الصحفي بالمغرب، على حد تعبير إعلاميين.
وفي آخر نشرة شهرية حول "سلامة الصحفيين"، سجل مركز السلامة المهنية، التابع للنقابة الوطنية للصحافة المغربية، حالات من الاعتداءات طالت صحفيين ومصورين، من بينها، تعرض مراسل "الأحدث المغربية" للضرب والركل من قبل رئيس مركز الدرك الملكي للأخصاص (ضاحية مدينة تيزنيت)، "أمام مرأى عشرات السكان بمنطقة أيت واعلكة بسيدي إفني"، الاعتداء تم يوم الأحد 15 شتنبر الجاري، "مباشرة بعد تغطيته وقفة احتجاجية لساكنة وعلكة".
وفي طانطان، أوردت النشرة تعرض مصور جريدة الصباح، يوم السبت 7 شتنبر الجاري، للضرب على مستوى الرأس، حيث تم نقله على وجه السرعة إلى المستشفى أثناء تغطيته فعاليات مهرجان طانطان؛ فيما قال المصدر ذاته إن إدارة أسواق السلام بمراكش منعت أخيرا الصحافيين والمصورين من أخذ الصور لحريق شب بها، حيث "تم الاعتداء على مصور القناة التلفزية الأولى، وبعض مصوري المنابر الإعلامية الوطنية من طرف أحد العناصر المكلفة بالحراسة".
اعتقال وإهانة..
في الوقت الذي تشدد فيه وزارة الاتصال على عدم اعتقال أي صحفي خلال المرحلة الراهنة، يسجل الواقع أنه في ظرف شهرين تم اعتقال صحفيين اثنين؛ هما مصطفى الحسناوي، الصحفي "بجريدة السبيل"، المُدان بـ4 سنوات سجناً نافذاً، لاتهامه بقضايا تتعلق بالإرهاب، وعلي أنوزلا مدير موقع "لكم" لنشره شريطا منسوبا لتنظيم القاعدة يحرض على تنفيذ هجمات تخريبية بالمغرب.
من جهة أخرى، سبق لصحفي هسبريس، محمد بلقاسم، أن تعرض في مارس الماضي للضرب والتعنيف اللفظي من طرف مسؤول أمني أمام محطة القطار بالرباط، خلال تغطيته لمسيرة معطلين، إذ لم تشفع بطاقة الصحافة الرسمية الخاصة به في ثني رجل الأمن عن تعنيفه.. خمسة أشهر بعد ذلك، رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، أشهر في وجه الصحفي نفسه عبارة "ماشي رجال"، بعد محاولة الأخير استقاء تصريح من بنكيران حول دعوة مولاي إسماعيل العلوي لتأسيس حكومة وحدة وطنية.
استمرار معاقبة ومنع الإعلاميين
محمد العوني، رئيس منظمة حريات الإعلام والتعبير، سجل تراجعا كبيرا في مجال حرية الإعلام والتعبير، بعد أزيد من سنتين على اعتماد الدستور الجديد، وفي أفق انتظارات الكثير من الإعلاميين، مشيرا أن هؤلاء حذروا من السقوط في التطلعات الواهمة، لأن الإطار الناظم لعلاقة الإعلام بالمؤسسات الرسمية بالمغرب لا يعطي الكثير من الآمال، ولا يضمن إمكانات حقيقية للتطور".
وأشار المتحدث إلى غياب اعتراف رسمي بسلطة الإعلام "مهما كانت مرتبتها حتى ولو كانت عاشرة"، وهو الأمر الذي يجعل وضعية الصحفي الاعتبارية والقانونية، حسب العوني، غير معترف بها ضمنيا، مشددا على أن هناك محاولة لـ"الاستمرار في تمييع الحق الإعلامي وتشويه وظائفه والتحكم فيه والوصاية عليه".
وأضاف العوني أن قانون الصحافة والنشر بالمغرب من القوانين التي عانت وتعاني من جرجرة وتماطل وتمطيط زمني كبير، "بسبب غياب الإرادة السياسية في تحقيق مشروع يضمن الحرية للصحافة والإعلام"، مسجلا في الوقت ذاته "تراجعا عن كل النقاشات وكل مطالب المهنيين والحقوقيين، عبر "الاستمرار في نفس بنية القوانين السابقة التي تكرس الوصاية على الإعلام ومعاقبة ومنع الإعلاميين".
ماذا يقول الدستور ووزارة الاتصال..
يقول الفصل 28 من باب "الحريات والحقوق الأساسية"، من دستور 2011، إن "حرية الصحافة مضمونة، ولا يمكن تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية"، إضافة إلى أنه "للجميع الحق في التعبير، ونشر الأخبار والأفكار والآراء، بكل حرية، ومن غير قيد، عدا ما ينص عليه القانون صراحة".
من جهتها، لا تتوانى وزارة الاتصال في تقييم "إيجابي" لوضع حرية الصحافة بالمغرب منذ تنصيب حكومة بنكيران، حيث أشاد آخر بلاغ صادر عن الوزارة، بشأن حيثيات اعتقال مدير موقع "لكم" علي أنوزلا، بما أسماه "التقدم" الذي يشهده هذا المجال "ولا يزال"، بدءا "بالدستور الجديد الذي كرس حرية الصحافة، ووصولا إلى مشروع مدونة الصحافة الذي انطلق إعداده بطريقة تشاركية".
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر