إسلام آباد ـ مصر اليوم
أسماء شيرازي هي صحافية باكستانية بارزة تقوم في الوقت الحالي بتقديم برنامج حواري أسبوعي لقناة «دون تي في» الإخبارية الباكستانية، وتتميز بلباقتها وآرائها الجريئة في القضايا السياسية والاجتماعية. وتقول شيرازي، على سبيل المثال، إنها لن تكون محايدة طالما أن الحرب على التطرف والإرهاب ما زالت مستمرة. وبدأت شيرازي حياتها المهنية في عهد الحكومة العسكرية للجنرال برويز مشرف، وظلت تراقب الحكم العسكري عن كثب لمدة تسع سنوات ثم هاجمته بشدة، وكانت من أشد الإعلاميين المعارضين لمشرف وحكومته خلال الحركة القضائية لإعادة رئيس المحكمة العليا افتخار محمد شودري.
وقد أجرت «الشرق الأوسط» مقابلة شخصية مع شيرازي في مكتبها دارت على النحو التالي:
* يتهم البعض وسائل الإعلام الإلكترونية بعدم النضج والجدية.. فهل تتفقين مع ذلك؟
- أنا لا أتفق مع ذلك إلى حد بعيد، ولكننا لا نقوم بالدور الذي يتعين علينا القيام به، وأعتقد أنه دائما ما تكون هناك مساحة للتحسن والتطور، ودعني أقل إن نحو 70 في المائة من وسائل الإعلام تتسم بالنضج والجدية، بينما لا تستحوذ الـ30 في المائة المتبقية على اهتمام الناس واحترامهم، ولا سيما من حيث الحيادية والجدية. ومنذ الحركة القضائية (وهو المصطلح الذي يستخدمه الصحافيون الباكستانيون للإشارة إلى حركة الاحتجاج الشعبي ضد مشرف لإعادة رئيس المحكمة العليا الباكستانية)، باتت وسائل الإعلام لدينا تلعب دورا فعالا في المجتمع. ورغم أننا نقاوم التطرف بشكل كبير، فإن بعض الأصوات داخل الإعلام الباكستاني ما زالت تدعم المتطرفين في الخفاء، ولكنهم قلة. ومع ذلك، أرى أن هناك مجالا لتطوير وسائل الإعلام ونحن بحاجة إلى إضفاء مزيد من النضج على ما نقوم به.
* كنت أحد العاملين في أول قناة إخبارية مستقلة تم افتتاحها قبل عشر سنوات. كيف تصفين لنا هذه التجربة؟ وما حكمك على الصحافة التلفزيونية في باكستان خلال السنوات العشر الماضية؟
- أعتقد أننا تطورنا ونضجنا كثيرا، وقد عمل بعضنا بكل ما لديه من قوة ليقدم صحافة تلفزيونية تتسم بالنضج والجدية، إلا أن البعض قد حول هذا المنبر الإعلامي إلى عمل تجاري. وفي أعقاب الحركة القضائية، بدأ الشعب الباكستاني يقدر ويحترم القنوات التلفزيونية والصحافيين التلفزيونيين بشكل كبير، وبات مقدمو البرامج الحوارية من نجوم المجتمع البارزين، ونتيجة لذلك أطلق النقاد على باكستان مصطلح «الدولة التي يحكمها الإعلام»، في أعقاب الدور الحاسم الذي لعبه الإعلام في الحركة القضائية ضد مشرف، وكنت شخصيا جزءا من هذه الحركة، وكانت هذه أوقاتا عصيبة للغاية، حيث قامت الحكومة بمنع برامجنا من البث وواجهنا صعوبات جمة.
* أصبحت جزءا من الحركة القضائية ضد الحكومة الحالية، ولكن ألم يكن ذلك يمثل خطورة على حياديتك الصحافية؟ ألا تعتقدين أنك بهذا الشكل لم تلتزمي بأصول وقواعد مهنة الصحافة؟
- تعلمنا من أساتذتنا في مجال الصحافة أن الصحافيين الباكستانيين دائما ما كان لهم دور بارز في مواجهة الديكتاتوريين العسكريين، ولطالما كان الصحافيون الباكستانيون يقاتلون من أجل إرساء قواعد الديمقراطية، وفي ذلك الوقت كان شودري رمزا للمقاومة ضد الديكتاتور العسكري. أدرك الآن أن ما قمنا به لدعم الحركة القضائية كان يعد انتهاكا للقواعد الصحافية، وأنت محق كل الحق في أن ذلك كان من الممكن أن يؤثر على حيادنا الصحافي، وأننا كنا منحازين لأجندة بعينها، ولكني أعتقد أننا قد اخترنا الأجندة الصحيحة. يشعر الناس بكثير من الحقد تجاه الحكم العسكري، وبصراحة أعتقد أننا كصحافيين تلفزيونيين كنا نشكل الرأي العام في ذلك الوقت، وأشعر أن الفرق بين الآن وآنذاك هو أننا نسير الآن وراء الرأي العام، ولا نقوده أو نوجه، كما كان الأمر في الماضي، وعلى سبيل المثال، يتعين علينا في الوقت الحالي أن نتخذ موقفا ضد التطرف والإرهاب، كما أننا بحاجة إلى أن نخلق وعيا في الرأي العام ضد التطرف. الآن، يتعين علينا أن نتحد جميعا ضد التطرف والإرهاب.
ودعني أقل لك إن هناك جدلا في الساحة الإعلامية الآن بشأن ما إذا كان يتعين علينا أن نعطي أعضاء حركة طالبان فرصة للظهور في المنابر الإعلامية أم لا، وما إذا كان يتعين علينا أن نغطي ما تقوم به الحركة أم لا، حيث يقول البعض: «حركة طالبان ما هي إلى جزء من المجتمع الباكستاني، وتمثل توجها داخل المجتمع، ولذا يتعين علينا أن نغطي ما تقوم به».
* هل تودين أن تقولي إنك لا تتسمين بالحيادية عندما يتعلق الأمر بالتطرف والإرهاب؟
- كيف يمكنني أن أكون حيادية عندما يتعلق الأمر بالتطرف والإرهاب؟! يتعين علي أن أعارض ذلك بكل ما أوتيت من قوة وتحت أي ظرف. أود أن أقول إنني أتسم بالحيادية عندما أتحدث عن حقائق، ودائما ما أقوم بنقل الأحداث والحقائق بكل حيادية، ولكني لن أكون حيادية مطلقا فيما يتعلق بالتطرف والإرهاب والديكتاتورية العسكرية، وسوف أقاومهم مهما كان الثمن.
* ما شعورك عندما تسيرين في الشارع وأنت شخصية محبوبة ومشهورة؟
- لا أريد أن أشعر بأنني شخصية مهمة للغاية، وأود أن أعيش كمواطنة عادية، ودائما ما أرتدي ملابس عادية عندما أخرج من المنزل، وأغطي وجهي حتى لا يعرفني الناس في الشارع أو في الأسواق، ولكن معظم الناس يتعرفون علي من خلال صوتي، ويتعاملون معي باحترام شديد، وهو ما يزيد من تواضعي في حقيقة الأمر. الحب الذي يستقبلني الناس به يجعلني أشعر بمسؤولية أكبر تجاه المجتمع، أعني أن أي كلمة أتفوه بها على شاشات التلفزيون يكون لها تأثير كبير على الناس في المنازل.
* هناك وجهتا نظر متعارضتان فيما يتعلق بوسائل الإعلام الباكستانية؛ الأولى ترى أن الإعلام الباكستاني موالٍ للولايات المتحدة بصورة كبيرة، أما الثانية فترى أن الإعلام الباكستاني يسلط الضوء على المتطرفين من خلال نقل أخبارهم، فأيهما أقرب إلى الحقيقة؟
- في وقت ما، كان الإعلام الباكستاني معارضا للولايات المتحدة، ولكنه لم يعد كذلك في الوقت الحالي، ولا أعتقد أنه موال للولايات المتحدة. أعرف أن كثيرين يقولون إن الولايات المتحدة قد أنفقت أموالا طائلة على القنوات الإخبارية الباكستانية، وإن بعض مالكي القنوات التلفزيونية يتلقون تمويلا من الأميركيين. دعني أؤكد على أن الإعلام الباكستاني غير معارض أو مؤيد للولايات المتحدة. أنا شخصيا أنتمي إلى المدرسة التي ترى أن باكستان كانت تتبنى سياسات خاطئة في الماضي، ونحن كصحافيين كنا ننتقد تلك السياسات، وهناك مدرسة أخرى تلقي اللوم على الجهات الخارجية وتتهمها بأنها وراء كل المشكلات التي يواجهها المجتمع الباكستاني، وأنا لا أنتمي لهذه المدرسة.
* وما الشريحة التي تدعم المتطرفين والإرهابيين في الإعلام الباكستاني؟
- الأشخاص الذين يدعمون المتطرفين في وسائل الإعلام أقلية محدودة للغاية. في السابق كان الإرهاب يحظى بدعم واسع، لكن ذلك تغير. وهذا التغير الذي شهده الإعلام الباكستاني أمر طبيعي، فقد شهد الأفراد عمليات القتل التي جرت على أيدي المتطرفين، من مقتل 35 ألف جندي خلال المعارك مع المتطرفين، ناهيك بالعدد الهائل من المواطنين الذين قتلوا على أيديهم. ولكن لا يجب السماح للمتطرفين باختراق وسائل الإعلام الباكستاني، فهناك بعض الأفراد في وسائل الإعلام يدافعون عن منح وسائل الإعلام المختلفة مناصب رفيعة للأشخاص ذوي الصلات الوثيقة بالمتشددين. هذه الأصوات التي تدافع عن هذا التوجه ضعيفة للغاية في وسائل الإعلام الباكستانية، لكنها قد تعلو.
* ما نوع الأخبار الصحافية التي تفضلينها؟ أعني بذلك نوعية الأخبار التي تودين تقديمها في القناة.
- الخيار الأول بالنسبة لي أن أقدم برنامجا أو قصة تدعو إلى إشاعة أجواء التسامح في المجتمع. وإذا استطعت أن أقدم قصة تكشف المتشددين والإرهابيين في عيون العامة، فسوف أفعل. أحب أيضا البرامج الحوارية الخاصة المتعلقة بالصحة المرأة، وأخيرا، أفضل تغطية جلسات البرلمان؛ لأنني أتعلم خلالها الكثير بشأن عمل النظام السياسي الباكستاني.
* ما نوع القصص الإخبارية التي تجعلك تشعرين بالفزع؟
- أشعر بالفزع عندما أغطي القصص الخاصة بالإرهاب أو القتل الطائفي. وحوادث الإرهاب المتكررة التي يقتل فيها الأفراد والأطفال.. لا أرغب في تغطيتها، لكني أضطر لذلك.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر