الهند - المغرب العربي
تهب الأعاصير المدارية على هايتي بشكل سنوي تقريبا. سكان هذا البلد الذي يعتبر من أفقر البلدان في العالم غير مستعدين لمواجهة تلك الأعاصير، لذا تسعى المنظمات غير الحكومية لرفع مستوى الاستعداد باستخدام الخرائط والأعلام .
في مطلع يونيو من عام 2013، في منطقة من المناطق النائية جنوب غرب هايتي حيث لم تعد السيارات تصل منذ زمن طويل، تطل الغيوم الداكنة بين التلال وتهب الرياح في فناء صغير على جانبيه صفين من البيوت المشيدة بالطوب، وهناك أيضا بعض الخيول الهزيلة.
يتواجد في المكان عشرات الهايتيين بالإضافة إلى فريق من منظمة ألمانية غير حكومية تعمل في مجال المساعدات الخارجية.
ويعمل الجانبان معا من أجل وضع خطط الإخلاء خلال اليومين التاليين، وفي الوقت نفسه يتعلم السكان المحليون ما يجب القيام به في حالة وقوع الكوارث الطبيعية، فهناك بلا شك عاصفة ستهب قريبا جدا، والسحب الداكنة هي نذير للعاصفة المقبلة.
يبدأ موسم الأمطار في هايتيفي شهر يونيو/حزيران، ما يعني أن الإعصار الأول لن يتأخر كثيرا.
الزلزال القوي الذي ضرب هايتي في مطلع عام 2010 كان كارثة نادرة لا يمكن التنبؤ بها، على عكس الأعاصير المدارية التي تضرب المنطقة كل عام.
المنازل مشيدة من ألواح خشبية وبلاستيكية، تقتلعها العواصف بسهولة، أما الأمطار الغزيرة فهي تصب على أرض جرداء تماما تقربيا، حيث لا تتجاوز المساحة التي تم تشجيرها هناك اثنان في المائة فقط من المساحة الكلية من المنطقة، وبالتالي لا يوجد ما يحمي التربة من الانهيارات الأرضية والطينية.
يحدث ذلككل عام بشكل متكرر في جميع أنحاء البلاد، وكما أظهر استطلاع أجري عام 2012، فإن “هذه هي إرادة الله” حسب ما يرى معظم سكان المنطقة.
وبالتالي فإن معظم الناس لا يتخذون أي خطوات للاستعداد لمواجهة الكوارث المرتقبة،تماما كما حدث في نهاية أكتوبر من عام 2012، عندما هب إعصار ساندي عبر منطقة البحر الكاريبي.
عندها أعلنت هايتي حالة الطوارئ، لكنها لم تجذب الاهتمام الكافي، فقد كانت أنظار العالم آنذاك مصوبة نحو نيويورك، التي غرقت في الظلام بعد انقطاع التياري الكهربائي نتيجة للإعصار.
أما في هاييتي فكانت الخسائر مدمرة، وكما تحكي هذه السيدة البالغة من العمر 65 عاما: “فقدت أبقاري الخمس ودمرت مزرعتي بالكامل.” إعصار ساندي دمر كل شيء تقريبا، وقبلها بفترة وجيزة، كان إعصار آيزاك Isaacقد ضرب المنطقة نفسها.
قبل وقت ليس بالطويل، وقبل أن يضرب إعصارا ساندي وآيزاك القرى، تم تأسيس لجنة محلية للحماية المدنية Comité Local de Protection Civile، وهو ما يعرف اختصارا بـ CLPC.
وقتها لم يتوفر الوقت الكافي للتدرب على الاستعداد للأوضاع الخطيرة التي تتبع الكوارث الطبيعية، وكما توضح منسقة المشروع بريغيتا هان، فإن “ساندي وآيزاك كانا بمثابة التدريبات على أرض الواقع، فالحالات كانت حقيقية.
” قام موظفوCLPC بجولات بين المنازل مستخدمين مكبرات الصوت لتحذير السكان قبل الأعاصير ولإبلاغهم بنقاط التجمع المحددة بعد إخلاء المنازل.
وبعد ذلك قام الموظفون بجولات طافوا خلالها الشوارع والمباني بحثا عن الجرحى وقاموا بإبلاغ الصليب الأحمر عن الحالات التي تم اكتشافها.
لكن المشكلة تمثلت في أن فريق العمل فيCLPC يتألف من 25 فردا، بينما المنطقة التي يعملون بها كبيرة للغاية، هذا بالإضافة إلى أن الفرى موزعة في مناطق متباعدة وسط طبيعة جبلية وعرة.
لذا تم تأسيس فرق للدفاع المدني على مستوى القرى، وتم في هذا الإطار تدريب السكان المحليين أنفسهم.
قسم الهايتيون في الفناء الصغير أنفسهم إلى مجموعتين.
جان ميتوشيلاه يركع أمام ورقة بيضاء ضخمة من الورق وهو يحمل قلم رصاص يخط به رسما تخطيطيا للقرية، يظهر فيه النهر وبعض المنازل.
أما فيرنه ميكنزون الذي يعمل في منظمة يوهانيتر للمساعدات الخارجية، فيطلب من جان أن يضع إشارة نجمة على الموقع الذي يصور مبنى المدرسة على الخريطة.
فالنجوم توضع لتمييز المباني التي تعتبر مهمة للمجتمع، وقد تكون مدرسة أو مرحاضا أو مصدرا للمياه.
وكما يقول فيرنه، فإن “الزلزال الذي ضرب المنطقة في أوائل عام 2010 على سبيل المثال، أحدث انهيارا أرضيا طمر مصادر المياه.
“هنا في الجبال لا توجد مضخات للمياه الجوفية أو أحواض مائية، بل يلجأ السكان إلى تجميع مياه الأمطار والاستفادة أيضا من مياه النهر.
وعندما دمرت مصادر المياه بالكامل، كان الناس هناك يعتمدون على المساعدات الخارجية للحصول على المياه النظيفة للشرب وإعداد الطعام.
ولذلك يصبح من المهم جدا إبراز جميع مصادر المياه على الخريطة، ويمكن أيضا معرفة أي من المصادر يتهددها الخطر لدى هبوب الإعصار القادم.
وبشكل مواز تعمل مجموعة أخرى على إعداد جدول عن عدد المدارس والكنائس وتحديد كل المواقع ذات الأهمية الاجتماعية، ليتم فيما بعد مقارنة المعلومات الواردة في الجدول بخريطة المواقع التي رسمتها المجموعة الأخرى.
وفي ورشة العمل، تم حصر عدد حالات الإصابة في الماضي بالملاريا والكوليرا، وتطور أعداد الإصابات.
وبعد انتهاء أعمال الورشة التي استمرت على مدى ثلاثة أيام، أصبح من الواضح أن إنشاء نقطة التقاء يتجمع فيها السكان بعد إخلاء مناطقهم الأصلية. وقد أصبح من الواضح أيضا بعد تجربة إعصاري سادي وآيزاك، أن لجنة الدفاع المدني لا تملك الوقت الكافي للوصول إلى كل المناطق النائية وإبلاغ السكان فردا فردا بشكل شفاهي بما ينبغي عمله.
ولذا ينبغي أن يكون هناك مسؤول في كل قرية مستقبلا، ويتم إبلاغه بالمعلومات الللازمة، وهو يتولى مهمة إيصالها إلى بقية السكان.
كما ينبغي تمييز الأعلام التي ترفع على قمم الجبال، بحيث بحيث يعبر كل لون معين عن درجة خطر محددة.
وكما يقول فيرنه، قبل 72 ساعة من الإعصار المتوقع ترفع أعلام صفراء، وقبل 32 إلى 24 ساعة على الإعصار تستبدل باللون البرتقالي، وإذا تبقى على الإعصار أقل من 24 ساعة، يتغير لون الأعلام إلى الأحمر.
وعند رفع الأعلام الحمراء فهذا يعني أنه ينبغي على الجميع أن يكونوا داخل منازلهم، أو الأفضل أن يتم التجمع في موقع الإخلاء. كما يعمم التحذير بعدم الخروج لدى هبوب الإعصار.
وبعد هدوء الإعصار ترفع الأعلام الخضراء للتعبير عن تراجع الخطر، مع وجوب التزام اليقظة والحذر من إمكانية حدوث انزلاقات قبالة المنحدرات.
وبحلول سبتمبر/أيلول من عام 2013، تكون ثلاثة أشهر قد مرت على الفراغ من الدورة الخاصة بالاستعداد لمواجهة الكوارث، والحصيلة هي ثلاثة أعاصير ضربت هايتي خلال الأشهر القليلة الماضية.
وكان من المنتظر أن يتطور أحدها ليصبح قويا بشكل خاص، لذا نشرت التحذيرات من إعصار” شانتال. وكما تقول منسقة المشروع، فإن”كان من المتوقع وقوع كارثة، إلا أن الأمطار لم تكن أسوأ مما هو معتاد في موسم الأمطار.
ومن هنا لم تتاح الفرصة أمام جانوجيرانه في الجبال ليجربوا كيفية عمل خطة الإخلاء في المناطق النائية في هايتي. لكن موسم الأعاصيرفي هاييتي لم ينته بعد.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر