باريس - المغرب اليوم
ترتيب مفردات الديكور بتسلسل منطقي عملية شبه مستحيلة... فالأشكال والألوان والأحجام والأبعاد والخطوط وغيرها، أدوارها في المشهد الزخرفي تكاد تكون متساوية في الأهمية... لكن لا بد من الاعتراف بدور البطولة للألوان.
ودور البطولة لا يعني هنا انتقاصاً من الأدوار الأخرى، لأن اللون شريك أساسي في خصائص كل العناصر والمواد وصولاً الى الأفكار التي تنبثق منها كل التصاميم الزخرفية.
ربما من هذه الزاوية، يعكس عمل مهندسة الديكور «جيرالدين بريير» فهماً خاصاً لأدوار اللون وسلوكاته. فهي تسلّط الضوء من خلال عملها على مفهوم الأدوار والأولويات وإعادة ترتيبها من أجل إنشاء مشهد زخرفي يؤسس لقيم جديدة، ليس في طبيعة المشهد نفسه، وإنما في النظر اليه وقراءته والتسلل الى أعماقه.
وربما من أجل ذلك، كان على مهندسة الديكور «بريير» – الحائزة دبلوماً من «أكاديمية شاربونتييه» و«مدرسة اللوفر» - بعد عشرين عاماً من ممارسة المهنة عبر القارات، أن تكشف عن رؤيتها في مجال الديكور، وتؤكد فلسفتها في أعمال ومشاريع لا يمكن وصفها بغير التفرد. ليس فقط لأنها تتمتع بخصائص ومواصفات تتجاوز المألوف، وإنما أيضاً لأنها تجسد خيارات جمالية جذرية لئلا نقول متطرفة.
بالطبع ليس لأن الألوان التي تختارها في مشاريعها هي اللافتة، ولكن تلك البراعة في توزيعها وتنسيقاتها الداعمة للأمكنة تجعل من فضاءاتها مهرجانات تضج بالحيوية والفرح، وأيضاً بـ«غلامور» وطرافة تصلان بالمشاهد الى حد الصدمة.
على أن الأساسي في أعمال «بريير» يمكن حصره في تلك الجرأة التي تميز كل تصاميمها، فتتحول من خلال تعبيراتها القوية الى معايير جديدة تصل في صرامتها الى مستوى الأسلوب. فالتفاصيل التي تشكل المشهد الزخرفي هنا، تتآلف وتتناغم مع بعضها بعضاً الى درجة مثيرة، متحلية بروح فنية عالية وتقنية بارعة.
ولعل النقطة الثانية التي لا يمكن تغييبها في أعمال «جيرالدين بريير» هي التكلف الذي تنسج منه علاقات العناصر والمواد مع بعضها في ما يشبه عملية التطريز، حيث كل «قطبة» تشكل دعماً للقطبة التي تليها أو تجاورها، فتأتي في النهاية متماسكة، متآلفة وموزونة، وفي بعض مراحلها تقترب أكثر، عبر مفرداتها المختارة، من كتابة النوتة الموسيقية، مما يشكل مصدراً لترتيب المساحات وتعزيزها ودعمها بقيم مضافة.
إن المزاوجات التي تقيمها في فضاء المساحات، لا تتسم بالجرأة فقط، بل تبدو أيضاً كالتزام فني من أجل تبديد التناقض بين الطرز والأساليب وأزمنتها المتعددة... وبالتأكيد فإن تكريسها عامين لمدرسة «اللوفر» من أجل دراسة تاريخ الفن، دفعها أكثر نحو المحاولات التي تتجاوز المغامرات لتتخذ خطوطاً ثابتة في التعامل مع الألوان كوسيط مبهر لمصالحات تاريخية بين المراحل، كالباروكية المعقدة – مثلاً – والحديثة المفعمة بروح الجسارة.
إن شروط الأسلوب، بكل ما تعنيه الكلمة مهنياً، تتوافر في أعمال «جيرالدين بريير». فالخبرة التي اكتسبتها خلال عشرين عاماً من العمل بين الشرق الأوسط ولندن، ثم معرفتها العميقة بفخامة ما وراء البحار وفي أميركا بالذات، حيث عملت على بعض المشاريع الخاصة بعائلة كينيدي، دفعتاها عام 2012 الى تأسيس مكتبها الباريسي، والذي أطلقت عليه اسم «روج آبسولو» والذي يمكن ترجمته الى «أحمر بالمطلق»، ما يعكس قناعاتها العملية وقيمها الجمالية، وهي تقول في هذا الصدد: «أحب الخيارات الجمالية الجذرية... فالأحمر يرمز الى الفخامة والترف والرغبة». وفي عام 2013، ولكي تعبر عن تحيزاتها الجريئة، قررت إطلاق خط من الأثاث المنزلي،
والأقمشة الخاصة بالمنزل، وأيضاً ورق الجدران المستوحى من أجواء البرازيل، مستحضرة أيضاً لذاكرة سنوات السبعينات بألوانها وتقديماتها الفنية. فاستخدمت في التصاميم «موتيفات» بأحجام كبيرة، وألوان متفلتة تصطفي إيقاعاتها من روحية «البوب» وأشكال دائرية حسية.
وقد تبنت الفكرة «دار هنرييت» حيث وضعت معرفتها التقليدية العريقة في الصناعات الحرفية في خدمة تصاميم «بريير» من أجل تنفيذ 18 قطعة أثاث استثنائية، وكلها موقعة ومختومة ومرقمة. وقد قدمتها في معرض Maison & Objet في «ميامي بيتش» لعام 2015. ولم تكن وحدها في هذا الصالون الدولي، بل قدمت أيضاً خطها من الشموع المعطرة.
ولأن لحظة المرور الى عالم الفنادق قد حانت، فإن «جيرالدين بريير» تعمل حالياً على بعض الفنادق في الجزائر، وعلى المحلات التابعة لفندق «لي دوق دو بورغونيي» Les Ducs de Bourgogne في فرنسا.
وربما يقود تأمل صور أعمال هذه المهندسة الموهوبة، الى فهم أعمق لرسالتها الزخرفية، ولقيمها الجمالية وكفاءتها الوظيفية.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر