القاهرة ـ إسلام أبازيد
تواجه السياحة المصرية أزمة حقيقية نتيجة الركود الذي شهدته خلال الفترة الماضية ولاسيما في ظل الاضطرابات المستمرة والاحتجاجات، والتي جعلتها تخسر يوميا 40 مليون دولار في قطاع السياحة الذي تراجع دخله بنسبة 80% وهذا يعني أن دخل مصر اليومي من قطاع السياحة كان 50 مليون دولار يوميًا أي ثمانية عشر مليار دولار في العام، وهو ما يعرض قطاع السياحة والعاملين فيه للمزيد من المخاطر، والتي دفعت الكثير من خبراء الاقتصاد و المستثمرين للتحذير من التأثير السلبي لاستمرار حالة الركود في قطاع السياحة من دون وضع حلول جذرية للمعوقات التي تقف أمام السائحين و تمنعهم من القدوم إلى مصر، في ظل عجز الحكومات المتعاقبة بعد الثورة عن وضع خطط للنهوض بقطاع السياحة، و بحسب بعض الدراسات والإحصاءات الاقتصادية، فإن إيرادات السياحة تراجعت بنسبة تتراوح ما بين 30-50% خلال العام 2011، الأمر الذي ينذر بتشريد آلاف العمال و الموظفين العاملين في ذلك المجال الحيوي والداعم للاقتصاد المصري، و لكن ما هي الأسباب الحقيقية لتراجع نسب السياحة في مصر؟ و وما هي الحلول المقترحة للخروج من هذه الأزمة؟، و هل كان لصعود التيارات الإسلامية للواجهة السياسية دور في تراجع هذه المعدلات؟ أم أن الانفلات الأمني و عدم قدرة جهاز الشرطة على تأمين السائحين بشكل كامل لعب دورًا في عزوف السائحين عن القدوم إلى مصر؟ ، كل هذه التساؤلات حاولت "مصر اليوم" طرحها على خبراء الاقتصاد و المال و المستثمرين لعلنا نجد حلولًا حقيقية تساعدنا على الخروج من هذه الأزمة التي تهدد موردًا مهمًام و حيويًا في الاقتصاد المصري,و كانت البداية مع حزب "النور" الذراع السياسية للجماعة السلفية ، حينما خرج بعض قياداته و كوادره ليعلنوا رفضهم للممارسات التي يقوم بها السائحون على الشواطئ و في الفنادق السياحية، إذ أكد المتحدث الرسمي باسم الدعوة السلفية عبد المنعم الشحات أن "الحضارة المصرية حضارة عفنة، موجهًا دعوة لتغطية جميع التماثيل الأثرية، لأنها تشبه تماثيل الجاهلية التي كانت تعبد أمام الكعبة (على حد تعبيره)، وهذا ما تم بالفعل في أحد المؤتمرات الانتخابية للحزب في محافظة الإسكندرية، بعد أن قام أعضاء الحزب بتغطية التمثال المقام في ميدان الرأس السوداء إلى أن تم الانتهاء من المؤتمر.و أثارت تصريحات الشحات "مخاوف الكثير من الشركات السياحية، مما دفعها إلى إلغاء عدد من الرحلات المقبلة إلى مصر، خوفًا من التشدد الديني من جانب أنصار التيار السلفي، مما أصاب قطاع السياحة بالشلل، وزاد من خسائر العاملين و المستثمرين فيه". وهو الأمر الذي دفع المتحدث الرسمي باسم حزب النور السلفي نادر بكار للتأكيد أن "حزبه حريص أشد الحرص على مستقبل السياحة في مصر باعتبارها مصدر أساسي من مصادر الدخل القومي المصري، و أن الحزب يمتلك رؤية وخطة مستقبلية لتطوير قطاع السياحة و العاملين به، لجذب مزيد من السائحين إلى البلاد، وأن نواب الحزب في البرلمان سيسعون إلى إصدار قانونين في ذلك الشأن"، مشيرًا إلى أن "السياحة هي أهم رافد من روافد التنمية في مصر". مؤكدًا في الوقت ذاته أن "الحزب لن يسعى كما يدعي البعض إلى تحجيب السائحين أو الاعتداء على حرياتهم الشخصية، و لكنه سيقوم بإصدار قوانين تدفع هؤلاء السائحين إلى احترام قواعد الشريعة الإسلامية، و تقاليد مصر باعتبارها دولة شرقية".هذا و دعمت تصريحات بكار و أكدتها تصريحات القيادي في حزب النور السلفي الدكتور يسري حماد حينما أوضح أن "حزبه لن يقوم بمنع السائحين من شرب الخمور، و لكنه سيمنعهم من الجهر بهذا السلوك حتى لا ينتشر في المجتمع المصري"، مشيرًا إلى أن "الشريعة الإسلامية تحرم على المسلمين شرب الخمور، لكنها تبيحها لغير المسلم الذي لا يحرم عليه دينه الخمر أن يشربها من دون أن يجهر بذلك أمام المسلمين". ومن جانبه، خرج حزب "الحرية و العدالة" الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين هو الأخر ليؤكد "دعمه الكامل لقطاع السياحة في مصر، ورغبة في تطويره، لاسيما و أنه يعتبر من المصادر المهمة في الاقتصاد المصري، كما أنه يضم ألاف العاملين الذين سيتضررون من أي تأثيرات سلبية قد تصيب هذا القطاع الاقتصادي المهم". لكن وإن كانت بعض التيارات السلفية المتشددة خرجت لتدعو إلى وقف السياحة في مصر، و منع بيع الخمور، فما هي البدائل التي قامت بطرحها تلك التيارات؟ ، فبحسب ما جاء على لسان البعض منهم فإن "هناك بعض الأنواع المختلفة من السياحة التي تتمتع بها مصر والتي تم طرحها كبدائل لسياحة الشواطئ، منها "السياحة العلاجية"، إذ تمتلك مصر ما يقرب من 16 موقعًا سياحيًا يقصده البعض بغرض الاستشفاء من عدد من الأمراض مثل (البهاق، و الصدفية ، و الأمراض الروماتيزمية)، و من أبرز أماكن السياحة العلاجية "ملاحات برج العرب" التي يقصدها السائحين بغرض الاستشفاء من مرض "الصدفية" ، وكذلك تتميز سيناء في وجود عدد كبير من المواقع العلاجية الطبيعية منها (حمام فرعون) ، و (حمام موسى في مدينة طور سيناء) ، كما تتميز مدينة أسوان بموصفات طبيعية تساعد بشكل كبير على الاستشفاء من مرض "الروماتيزم" من خلال إحاطة جسم المريض بالرمال الساخنة". فيما لم تكن "السياحة العلاجية البديل الوحيد المطروح، فهناك أيضًا "سياحة المهرجانات"، إذ تنفرد مصر بإقامة عدد كبير من المهرجانات على مدار العام، و التي تحظى بإقبال جماهيري كبير، هذا فضلا عن "سياحة المؤتمرات و العارض" سواء كانت هذه المؤتمرات سياحية أو مهنية، و التي تقام في عدة محافظات على مستوى الجمهورية". و لكن هل تلك الأنواع من السياحة بالفعل تغني عن "سياحة الشواطئ" التي تعد مقصدًا لمعظم السائحين؟، هذا السؤال قمنا بطرحة على أمين عام اتحاد المستثمرين العرب الدكتور جمال بيومي، و الذي أكد بدوره أن "السياحة مستمرة في مصر و لن تتوقف أبدًا، و لكن الجميع في حاجة إلى فض الاشتباك فيما يخص مشكلة الانفلات الأمني و بعض الدعوات لتحريم السياحة"، مشيرًا إلى أن "الخطير في الانفلات الأمني هو أنه يزداد يومًا بعد يوم، و نخشى أن تتحول مصر مثل دول أميركا اللاتينية، بعد أن استسهل الجميع ارتكاب الجرائم، وتحول الأشخاص العاديون إلى مجرمين محترفين". و أضاف "إن أكثر ما يواجه المستثمرين العرب هو دعوات بعض القيادات و الكوادر السلفية لتحريم السياحة ، لاسيما "سياحة الشواطئ" ، مشيرًا إلى أن "من يدعو إلى ذلك يعتبر "صوت شاذ" و لا يعبر سوى عن نفسه فقط"، مؤكدًا أن "المستثمرين على استعداد تام لدفع مزيد من استثماراتهم في مجال السياحة، ولكن لابد من توفير الأمن أولا". و بشأن أنواع السياحة التي طرحها البعض كبديل عن سياحة الشواطئ مثل "السياحة العلاجية" و "السياحة الثقافية" ، أوضح أن "من يقول ذلك الكلام كأنه يقول للسائح "لابد وأن تأكل الجبن البيضاء، لأن الجبن الرومي حرام" ، و هذا لا يصح ولا يصلح إطلاقًا، لأنك بذلك تحرم نفسك من مصدر هام للسياحة، و وتساءل قائلا "هل يستطيع أحد من هؤلاء أن يذكر لي أين هي المرأة المصرية التي ترتدي مايوهات حاليا؟ ، فهذا لا يحدث داخل الشواطئ الالكثير بالطبقات الغنية ذاتها، لذلك فإن كان الأمر يتعلق بهؤلاء السائحين فليتركوهم و شأنهم، ووجه رسالة إلى من يحرم سياحة الشواطئ بقوله "ربي مخك قبل ما تربي لحيتك، و لتوفر للمواطنين المأكل والملبس قبل أن تحرم السياحة". في السياق ذاته أشار رئيس غرفة السلع السياحية محمد القطان إلى أن " الانفلات الأمني هو السبب الأبرز في انخفاض السائحين الوافدين إلى مصر، لاسيما وأن السائح أصبح غير أمن على نفسه و أمواله، فحينما يعود الأمن إلى البلاد و تتوقف جرائم السطو و السرقة و القتل و البلطجة ، هنا نستطيع أن ننتظر قدوم السائحين"، مشيرًا إلى أن هناك وعودًا من وزارة الداخلية بالعمل على إعادة الأمن الغائب في الشارع المصري ، و بالفعل رجال الشرطة يعملون لتحقيق تلك الوعود، و لكن حجم الجرائم و كمية الأسلحة المنتشرة في البلاد ، لاسيما القادمة من ليبيا، تحتاج إلى مزيد من الوقت لفرض سيطرة الأمن مرة أخرى". و أضاف "أن أكثر قطاعات السياحة تأثرًا بغياب السائحين، هي البازارات السياحية، بعد أن انخفضت نسب السياحة إلى ما يقرب من 60% ، كما أن السائح القادم إلى مصر في هذه الفترة لا يمتلك الكثير من الأموال، و بالتالي فإن وجه الاستفادة منه ضعيف جدًا". و بخصوص مستقبل السياحة في ظل حكم الإسلاميين، أوضح القطان "إنه لا توجد أي مخاطر فيما يتعلق بذلك الشأن، لاسيما و أن قيادات الأحزاب الدينية نفت مرارًا و تكرارًا ما يتردد بشأن تشديد الرقابة على السياحة"، مؤكدًا في الوقت ذاته أنه "لا يستطيع أحد قياس مدى تأثير تصريحات بعض قيادات التيار السلفي المتشددة، لاسيما و أن السياحة متوقفة من الأساس". من جانبه أكد أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة الدكتور رشاد عبده في تصريحات الكثير لـ"مصر اليوم" أن "مستقبل السياحة في مصر "غير مبشر بالخير" ، لاسيما في ظل الانفلات الأمني الذي تعاني منه البلاد، ودعوات بعض القوى و التيارات السلفية لتحريم السياحة ، و هدم التماثيل و كأن مصر تحولت إلى أفغانستان و يحكمها طالبان"، مشيرًا إلى أن "مثل هذه الدعوات تشكل خطرا كبيرًا على مستقبل السياحة في مصر، و تؤدي إلى هدم صناعة السياحة بشكل عام، مما يهدد بتشريد ملايين المصريين، لاسيما و أن هناك نحو 2.5 مليون شخص يعملون في السياحة بشكل مباشر ، و 2.5 مليون يعملون بها بشكل غير مباشر، و هذا يعني أن ربع سكان مصر يعملون في ذلك القطاع المهم". و أضاف أن "تدمير قطاع السياحة سوف يؤدي إلى انضمام نحو خمسة ملايين شخص إلى صفوف البطالة، كما أن رحيل هذا المورد المهم من الاقتصاد المصري، سيؤدي إلى هدم الثورة، و يهدد باندلاع "ثورة جياع" مضادة لثورة 25 كانون الثاني/يناير، لاسيما و أن الموارد المالية للسياحة تدعم الاقتصاد المصري بمليارات الدولارات، ففي العام 2010 وصل حجم إيرادات السياحة إلى 12.8 مليار دولار".و أكد عبده أن "انخفاض احتياطي النقد الأجنبي سببه تأثر السياحة بعد الثورة ، حيث أنخفض الاحتياطي إلى 15 مليار دولار ، بعد أن كان 36 مليار دولار، ووجه سؤلا إلى القوى السلفية قائلا "حينما حرمتم السياحة هل طرحتم موارد اقتصادية بديلة ؟ ، فالبديل للسياحة هو العيش على "الشحاتة" و الاقتراض من الخراج، و هذا غير مقبول إطلاقا لاسيما وأنني أمتلك موردًا اقتصاديًا محترمًا يغني عن هذا الاقتراض".
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر