أكد كل المتعاقبين على شؤون الكرة السودانية، أن حادثة مباراة القمة بين الهلال والمريخ في أبريل/نيسان 1976، دمرت الوضع الكروي.
جاءت تلك الحادثة بعد أن ساهمت أجيال من اللاعبين والمدربين منذ بداية ستينيات القرن الماضي في تواجد الكرة السودانية قاريا ودوليا بشكل جيد، فأصبحت تلك المباراة لا تنسى، ورسخت في أذهان الجمهور الرياضي المتعاقب.
سجل ذهبي
عاشت الكرة السودانية سجلا ذهبيا، حسب المؤرخين والمتابعين، قبل حادثة مباراة القمة على كأس الثورة الصحية.
وبدأ السجل الذهبي بوصول منتخب السودان لنهائي بطولة كأس الأمم الأفريقية بغانا في 1963، ثم الهلال للدور قبل النهائي من بطولة أندية أبطال أفريقيا 1964 من أول مشاركه له، والتأهل لنهائي بطولة المنتخبات العربية في 1965.
وتوالت نجاحات الكرة السودانية، بتحقيق منتخب السودان لبطولة كأس الأمم الأفريقية في 1970 بالخرطوم، ثم تأهل المنتخب لنهائيات كرة القدم بدورة الألعاب الأولمبية بميونخ في 1972.
وواصل منتخب السوداني تواجده القاري بوصوله لنهائيات كأس الأمم الأفريقية 1976 بإثيوبيا، وكان معظم اللاعبين في تلك الفترة من الجيل الجديد، وشارك في مباراة الثورة الصحية الكارثة.
قصة مباراة القمة الكارثية
اعتادت حكومة ثورة مايو، خلال فترة حكم الرئيس السوداني السابق جعفر نميري للسودان، على تنظيم فعاليات رياضية في إطار حملة تدعم توجه حكومته، وجمع التبرعات لدعم مشاريعها.
وكان لفظ ثورة يطلق على كل الفعاليات الرياضية أو غيرها من الأنشطة التي ترغب بتنظيمها حكومته لدعمه توجهه السياسي وزيادة جماهيرية ثورته تلك، فجاءت فعاليات الثورة التعليمية والثورة الاقتصادية، والثورة الصحية والتي نظمت بشأنها المباراة الكارثية بين المريخ والهلال.
الإعلان عن تلك المباراة جاء على لسان عضو مجلس قيادة ثورة مايو، اللواء خالد حسن عباس، والذي ترأس لاحقا نادي المريخ، لكنه في تلك الفترة كان وزيرا للصحة.
نجوم الفريقين
نجوم الهلال في تلك الفترة كان على رأسهم حارس الراحل الذي توفي قبل عدة أشهر عبد الفتاح زغبير، والمدافعين خضر الكوري وعبد الله موسى وعز الدين عثمان والأسطورة نصر الدين عباس جكسا، والمهاجم الخطير الدكتور الدبلوماسي علي قاقارين ومحجوب الضب.
أما نجوم المريخ في تلك الفترة فكانوا الحارس العملاق الطيب سند، وقلب الدفاع كوري الصغير، والظهير الطاهر هواري، إلى جانب مجموعة لاعبي الوسط والهجوم المميزين الفاضل سانتو وبشرى وهبة وأحمد سالم وبشرى وهبة والجيلي عبد الخير، وصانع الألعاب الأسطوري كمال عبد الوهاب.
بداية الأحداث
مباريات الهلال والمريخ انطلقت منذ نهاية عشرينيات القرن الماضي، ولهذا تسبقها عصبيات وتوترات إعلامية وجماهيرية كبيرة، تنتقل وتنعكس مباشرة على أداء اللاعبين، ولهذا لم تكتمل الكثير من مواجهاتهما.
ولعبت المباراة مساء يوم الإثنين 24 أبريل/نيسان 1976، باستاد المريخ، ودخل الفريقان في ظل أجواء متوترة، أرض الملعب مع لحظة وصول الرئيس نميري وأعضاء حكومته وضيف الشرف الكبير الراحل الشيخ زايد.
في الشوط الثاني ارتكب ظهير المريخ الطاهر هواري، مخالفة من الخلف مع مهاجم الهلال قاقرين، الأمر الذي لم يقبله زميله عز الدين عثمان، وقام بالاعتداء هواري، فلم يرض حارس المريخ الطيب سند بالأمر، فاعتدى بقوة على عز الدين عثمان، فجاء قرار الحكم محمود حمدي بطرد سند من الملعب.
ورفض لاعبو المريخ قرار طرد حارسهم وتوقفت المباراة لنصف ساعة، قبل أن يعود لاعبو المريخ للملعب، وفي الدقيقة 70 أحرز الهلال هدفا عن طريق على قاقرين، لتنتهي المباراة بفوزه الهلال (1/0).
بعد نهاية المباراة هتفت جماهير الهلال منتشية بالفوز "أبوكم مين علي قاقرين" وهو هتاف مقتبس من هتاف حصري للرئيس نميري وتردده عليه الجماهير في المناسبات وهو من مقطعين تردده مجموعتين من الجماهير بالتبادل:"أبوكم مين...نميري".
قرارات قاسية
وأعلن وزير الرياضة وقتها زين العابدين محمد أحمد عبد القادر، قرارات قاسية كان من ضمنها إلغاء نتيجة مباراة كأس الثورة الصحية، وتجميد كل المنافسات الرياضية، وبالتالي إلغاء الدوري الأكبر وقتها "دوري الدرجة الأولى الخرطوم"، وإيقاف سفر كل الوفود الرياضية إلى الخارج، ما عدا المشاركة في دورة الألعاب الأولمبية وقتها.
إلى جانب قرارات أخرى من بينها تسريح جميع اللاعبين، وتجميد حسابات الأندية والاتحادات الرياضية مع الاتحاد العسكري واتحاد الشرطة، وتغيير أسماء الستادات.
وقال الرئيس السوداني السابق جعفر نميري إن الرياضة أصبحت جماهيرية، تمارس في الأحياء فقط.
أثر القرارات
وهاجر أفضل لاعبي الكرة السودانية إلى دول الخليج، وانعزل السودان كرويا وخارجيا، وانفصلت الأجيال الكروية، لأن الجيل الذي كان يملك الخبرة التراكمية قاريا ودوليا، هاجر واعتزل.
ولم تتواصل أجيال المنتخب السوداني بعدها إلا في 2008، حين عاد المنتخب لنهائيات كأس أمم أفريقيا بعد غياب 32 سنة، ونجح بعض أفراد جيل 2008 في العودة للنهائيات القارية مرة أخرى 2012، فسلموا إرثهم ورايتهم للاعبين الجدد.
العدول عن القرارات
عدل الرئيس نميري عن قرارات الرياضة الجماهيرية في 10 يناير/كانون أول 1977، وفك عزلة الرياضة والكرة السودانية عن العالم بعد أكثر من 8 أشهر.
قد يهمك أيضَا :
الكاف يعاقب الهلال السوداني
رسالة مؤثرة لحكم موقعة الهلال السوداني والأهلي
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر