نور الدين مفتاح
كل الذين تلقوا في ظروف الأزمة مع الأمين العام للأمم المتحدة رد الفعل الأمريكي بارتياح عليهم أن يتريثوا و يحذروا من إلقاء أنفسهم في بركة الاطمئنان.
فصحيح أن الولايات المتحدة الأمريكية خرجت في بلاغ للبيت الأبيض بموقف ينص على تشجيعها لحل سلمي في الصحراء متوافق عليه بين أطراف النزاع، و صحيح أن الناطق الرسمي باسم بعثة الولايات المتحدة الأمريكية في الأمم المتحدة غرد على التويتر معتبرا المقترح المغربي للحكم الذاتي واقعيا و جديا، و صحيح أيضا أن سفير الولايات المتحدة بالمغرب وصف مقترحنا بنفس الوصف و توج هذا بالمكالمة الهاتفية لمحمد السادس مع جون كيري، الذي أكد على أن موقف أمريكا لم يتغير عن ذلك المعبر عنه في القمة التي جمعت أوباما مع الملك٬ إلا أن كل هذه المساندة المعتبرة في ظروف حساسة كان لها وجه اخر لابد من قراءته من أجل مصلحة المغرب٬ لأن التغاضي عن الشيء لا يؤدي بالضرورة للتخلص منه ٬ و هكذا٬ و منذ بلاغ البيت الأبيض ثم تغريدة الناطق باسم البعثة الأمريكية الأممية٬ كنا نجد أيضا التعبير عن مساندة المبعوث الخاص للأمين العام كريستوفر روس و كذلك "مساندة البعثة الأممية لإجراء الاستفتاء في الصحراء الغربية" المسماة "مينورسو"، و هذا يعني أن أمريكا أخرجت نصا يجد فيه كل طرف من أطراف النزاع ما يمكن أن يتباهى به على أساس أنه يخدم وجهة نظره.
و إذا كانت أمريكا لم تساند بان كي مون مباشرة، مما أغضبه ٬ فإنها بمساندة مبعوثه الشخصي "روس" تكون قد دعمت رأس الحربة في طبخ مخططات خطيرة بالنسبة للمنطقة، و منها فكرة خلق " كومنويلث" في الصحراء لا يرتبط فيه الإقليم مع المغرب لا بعلم و لا بعملة، و هذا يعني الاستقلال. كما أن التعبير عن مساندة "المينورسو" في الوقت الذي طردت فيه الرباط 84 من أعضائها المدنيين هو تعبير عن رفض للقرار المغربي.
و عموما حتى و إن كانت هذه القراءة في النصوص الأمريكية خاطئة ٬ فكل شيء يسير في اتجاه أن بان كي مون ما كان ليقدم على ما أقدم عليه لولا أنه كان محميا بمظلة كبيرة، و "الفاهم يفهم"، كما أن كريستوفر روس عندما سحب منه المغرب الثقة أصرت واشنطن على بقائه، مما تسبب للمملكة في إهانة سياسية قاسية ٬ كما أن أمريكا هي التي بادرت إلى تقديم مشروع توسيع اختصاصات المينورسو لتشمل حقوق الإنسان قبل أن تعدل عن ذلك بتدخل ملكي ٬ و الولايات المتحدة الأمريكية أيضا هي التي جاءت بمقترح بيكر٬ الذي كان سيجعلنا نؤسس الجمهورية الصحراوية و نقدمها لعبد العزيز المراكشي هدية.
هذه هي الولايات المتحدة الأمريكية التي علينا أن نتعامل معها بحذر شديد ٬ فهي تدافع عن مصالحها لا عن صداقاتها، و لو أرادت إنهاء النزاع لضغطت كي يصبح الحل الذي تعتبره واقعيا و ذا مصداقية هو الحل الذي يتبناه مجلس الأمن .
نتمنى أن تكذبنا التطورات المتسارعة في قضية وحدتنا الترابية ٬ و لكن كما يقول المغاربة "اللي خاف نجا".