صفقة القرن غير الموجودة

"صفقة القرن" غير الموجودة!

المغرب اليوم -

صفقة القرن غير الموجودة

بقلم : خير الله خير الله

هناك من يريد الكلام بطريقة كلاسيكية عن فلسطين في ظل معطيات إقليمية جديدة لا علاقة لها بالماضي. لعل الدليل الأبرز على ذلك أن لا وجود لقيادة فلسطينية تمتلك حدا أدنى من القدرة على التعاطي مع ما يدور على الأرض واستيعاب المتغيرات.

عراقيون يحيون يوم القدس في شارع فلسطين ببغداد رافعين صورة المرشد الأعلى الإيراني

هل هناك شيء اسمه صفقة القرن؟ لا وجود لمثل هذه الصفقة التي تستخدم إيران وأدواتها الكلام عنها لتخوين العرب والقول إنّهم تخلوا عن القضية الفلسطينية والفلسطينيين. هناك أفكار عامة قد تنتج صفقة ما لا أكثر. أمّا الواقع، فيتمثّل في أنّ الفلسطينيين أنفسهم تخلوا عن قضيّتهم باكرا عندما كان العالم كلّه يسعى إلى الخروج بتسوية ما تلبي مطالب شعب موجود على الخارطة السياسية للشرق الأوسط ولا يستطيع أحد إلغاءه.

كانت بداية التخلي الفلسطيني عن القضيّة عندما قبلت منظمة التحرير أن تكون بمثابة شركة مساهمة، أي أن تكون لأكثر من دولة عربية واحدة حصّة صغيرة أو كبيرة في قيادة المنظمة في ظلّ رجل اسمه ياسر عرفات اعتقد أنّ في استطاعته إدارة الشركة واللعب على كل التناقضات الإقليمية والدولية انطلاقا من عمّان ثمّ من بيروت.

لم يستطع ياسر عرفات، الذي يظلّ الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني، الخروج من أزقة بيروت إلى رحاب العالم الواسعة، إلّا بعد انتقاله إلى تونس. في تونس تحرّر “أبو عمّار” أخيرا من قبضة النظام السوري ومن عقدة الأرض التي كانت “جمهورية الفاكهاني” أفضل تعبير عنها. تحرّر في تونس خصوصا من مقولة حافظ الأسد المشهورة وهي أنّ “القرار الفلسطيني المستقلّ بدعة”.

بين صيف 1982، تاريخ خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان والكلام الحالي عن صفقة القرن في ظلّ نقل السفارة الأميركية إلى القدس، ارتكبت القيادة الفلسطينية كمّية لا تحصى من الأخطاء.

أدت هذه الأخطاء إلى الوصول إلى الوضع الراهن الذي لم تعد فيه فلسطين، إلّا بالنسبة إلى المتاجرين بها وبشعبها، قضية العرب الأولى. لا بدّ في طبيعة الحال من استثناء الأردن وذلك لسبب في غاية البساطة يعود إلى أنّ لديه مصلحة ذات طابع حيوي في قيام الدولة الفلسطينية المستقلّة وعاصمتها القدس الشرقية. وهذا عائد بشكل خاص إلى طبيعة التحديات التي تواجه المملكة الهاشمية. في مقدّم هذه التحديات يأتي الوضع الاقتصادي، فضلا عن التركيبة السكانية للبلد.

لا يعني الكلام عن الأخطاء التي لا تحصى للقيادة الفلسطينية تجاهل اتفاق أوسلو بحسناته وسيئاته. كان الاتفاق خطوة أولى على طريق صناعة الحلم الفلسطيني وتحويله إلى حقيقة على أرض فلسطين. يمكن انتقاد أوسلو والحديث عن ثغراته وتفنيدها طويلا، لكنّه كان أفضل الممكن في ظلّ الظروف الإقليمية والدولية. كان اتفاقا يمكن البناء عليه.

أمكن التوصل إلى اتفاق أوسلو في العام 1993 على الرغم من الخطأ المريع الذي ارتكبه ياسر عرفات عندما لم يتخذ في الثاني من آب – أغسطس 1990 موقفا لا لبس فيه من المغامرة المجنونة التي أقدم عليها صدّام حسين باحتلاله الكويت.

إذا أخذنا في الاعتبار الموقف المستغرب كلّيا لـ“أبو عمار” من احتلال الكويت، يمكن اعتبار أوسلو إنجازا بحدّ ذاته، خصوصا أنّه فتح للفلسطينيين أبواب البيت الأبيض. حصل ذلك للمرّة الأولى منذ قيام منظمة التحرير الفلسطينية في ستينات القرن الماضي.

في ظلّ التدهور المستمرّ للوضع الفلسطيني، وهو تدهور لا يحد منه سوى صمود شعب متمسّك بهويته الوطنية التي يدافع عنها يوميا، جاء الكلام عن صفقة القرن. ليس الكلام عن صفقة القرن سوى تتويج لمرحلة جديدة يصعب على كثيرين، من الذين تربوا على شعارات مرتبطة بتحرير فلسطين و”القدس لنا”، استيعاب مدى خطورتها. تكمن خطورة هذه المرحلة في طبيعة التحديات الجديدة التي تواجه دول المنطقة من جهة ووجود إدارة أميركية تؤمن إيمانا عميقا بأهمية تجاوز العقدة الفلسطينية من جهة أخرى.

الأكيد أن مرور عملية نقل السفارة إلى القدس بسلام عزّز موقف القائلين إن لا داعي حتّى لصفقة القرن ولا حاجة إلى طرح أفكار أميركية على المعنيين بإيجاد تسوية تقوم على مفاهيم قديمة مرتبطة بالقدس وحدود 1967 وقرارات الشرعية الدولية مثل القرار الرقم 242.

ما ينطبق على العراق، ينطبق على سوريا أيضا. ليست القدس وحدها التي ضاعت. ضاعت أيضا بغداد والبصرة والموصل وضاعت دمشق وحلب وحمص وحماة.

ربّما كانت هناك خطوط عريضة لصفقة القرن طرحت في بداية عهد دونالد ترامب. الآن لم يعد هناك من وجود لمثل هذه الخطوط بمقدار ما هناك تفكير في كيفية وضع القضيّة الفلسطينية بين مزدوجين، خصوصا أنّه بات مفروضا على معظم العرب مواجهة المشروع التوسّعي الإيراني. بسبب وجود هذا المشروع، صار العراق نفسه في عداد الدول العربية التي لم يعد معروفا كيف سيكون مستقبلها.

ما ينطبق على العراق، ينطبق على سوريا أيضا. ليست القدس وحدها التي ضاعت. ضاعت أيضا بغداد والبصرة والموصل وضاعت دمشق وحلب وحمص وحماة. كذلك، ضاعت صنعاء التي صار المسؤولون الإيرانيون يضعونها في مصاف العواصم العربية التي تتحكّم بها طهران!

هناك من يريد الكلام بطريقة كلاسيكية عن فلسطين في ظلّ معطيات إقليمية جديدة لا علاقة لها بالماضي. لعلّ الدليل الأبرز على ذلك أن لا وجود لقيادة فلسطينية تمتلك حدّا أدنى من القدرة على التعاطي مع ما يدور على الأرض واستيعاب المتغيرات. هؤلاء الذين يتحدثون عن فلسطين بلغة الماضي لا يريدون الاعتراف بأنّ المنطقة صارت منطقة أخرى وأنّ أبرز ما تغيّر فيها أن ليس هناك من هو مستعجل على أيّ شيء ذي علاقة ما من قريب أو بعيد بفلسطين.

مرّة أخرى، يبدو الأردن مهتما وحده وبصدق، لأسباب خاصة به، بعدم ترك التسوية في مهبّ الريح والتلهي بالكلام عن صفقة لا وجود لها إلّا في أذهان الذين يريدون المتاجرة بالفلسطينيين وقضيتهم. هؤلاء التجار اخترعوا “يوم القدس”. ما الذي حققوه للقدس بعد كلّ هذه الأعوام التي شهدت تدميرا ممنهجا لكلّ مدينة عربية ذات معنى في منطقة المشرق؟

لم تعد من حاجة إلى صفقة القرن. ثمّة حاجة إلى انقلاب في نمط التفكير يأخذ في الاعتبار أن مفاعيل الزلزال العراقي الذي أعطى في العام 2003 دفعا جديدا للمشروع التوسعي الإيراني لم تنته بعد. هناك مفاعيل هذا الزلزال وهناك إدارة في واشنطن من نوع مختلف تماما. أقدمت هذه الإدارة على الانسحاب من الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني.

التقى دونالد ترامب في سنغافورة الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون الباحث عن موقع جديد لبلاده خارج لائحة الدول المارقة التي لم يكن لديها ما تصدره إلى الخارج غير تكنولوجيا الصواريخ وإلى الداخل الكوري غير البؤس والجوع والحرمان…

من لا يتكيّف مع ما يشهده العالم والمنطقة من تغييرات ينتهي في وضع من يدور على نفسه. صارت إيران، بعد تخلي أميركا عن الاتفاق في شأن ملفّها النووي تدور على نفسها. كانت تعتقد قبل ذلك أن العالم كلّه يدور حولها.

لا عيب في رفض السقوط في فخّ عقدة القضيّة الفلسطينية، وهي قضيّة ستبقى حيّة ما دام الشعب الفلسطيني حيّا. وهذا ما تبدو دولة مثل إسرائيل عاجزة عن إدراكه. العيب في توهّم أنّ هناك صفقة اسمها صفقة القرن وأنّ كل الجهود يجب أن تنصبّ على مواجهتها إرضاء للمتاجرين بالقضية الفلسطينية من المزايدين على العرب في الوطنية في حين أنّ استثمارهم الوحيد هو في كلّ ما من شأنه تفتيت دول المنطقة الواحدة تلو الأخرى عن طريق سلاح، ولا أخطر، اسمه سلاح الاستثمار في إثارة الغرائز المذهبية.

المصدر : جريدة العرب

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صفقة القرن غير الموجودة صفقة القرن غير الموجودة



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 17:56 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
المغرب اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 17:37 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
المغرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 15:27 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

هنغاريا تدعم مخطط الحكم الذاتي المغربي لتسوية نزاع الصحراء
المغرب اليوم - هنغاريا تدعم مخطط الحكم الذاتي المغربي لتسوية نزاع الصحراء

GMT 09:19 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن
المغرب اليوم - فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن

GMT 14:44 2024 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

العلماء يكتشفون أصل معظم النيازك التي ضربت الأرض

GMT 05:21 2016 الأربعاء ,20 كانون الثاني / يناير

أفضل بيوت الشباب والأكثر شعبية في العالم

GMT 11:00 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"السر المعلن"..

GMT 10:52 2023 الأربعاء ,18 كانون الثاني / يناير

مرسيدس تبدأ تسليم السيارة الأقوى في تاريخها

GMT 22:54 2019 الأربعاء ,13 آذار/ مارس

"فيسبوك" تنفي تعرض الموقع لاختراق

GMT 15:46 2019 الجمعة ,04 كانون الثاني / يناير

فضيحة "شاذ مراكش" تهدّد العناصر الأمنية بإجراءات عقابية

GMT 11:56 2018 الإثنين ,08 تشرين الأول / أكتوبر

الحجوي يؤكّد أن تحويل الأندية إلى شركات يتطلب مراحل عدة

GMT 15:09 2018 الإثنين ,24 أيلول / سبتمبر

أحمد عز يواصل تصوير الممر في السويس

GMT 06:39 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

تمتعي بشهر عسل رومانسي ومميز في هاواي

GMT 08:50 2018 الأحد ,11 شباط / فبراير

بيور غراي يعدّ من أفضل المنتجعات حول العالم

GMT 21:34 2017 الثلاثاء ,13 حزيران / يونيو

فريق "وداد تمارة" يتعاقد مع المدرب محمد بوطهير

GMT 02:42 2017 الثلاثاء ,22 آب / أغسطس

قمر في فستان أبيض قصير على "إنستغرام"

GMT 09:35 2023 الخميس ,05 تشرين الأول / أكتوبر

محرك البحث "غوغل" يحتفل بيوم المعلم العالمي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib