لا ينكر أحد أن الدبلوماسية التونسية قد تلقّت عدّة ضربات متتالية منذ ثورة 14 كانون الثاني/يناير، وأنها أصبحت تقريبا مشلولة في عديد المناطق التي كان من المفترض أن تحضر فيها بقوة وثقل، وأن دورها اقتصر في عديد المرات على نزع فتيل الأزمات التي تخلّفها تصريحات لا مسؤولة من هنا أو هناك، أو هي في أغلب الأحيان انشغلت بإعادة "التموقع" في أماكن وساحات من المفترض أن علاقتنا بها جيدة ومتطورة، لكننا خسرناها نتيجة سياسات غير مدروسة لحكومات ما بعد الثورة، والتي طغى عليها الاندفاع الحزبي حينا، وقلة الخبرة أحيانا.
ولا شكّ أن إفريقيا، القارة الأم، والتي تُعتبر العُمق الاستراتيجي لتونس ولسائر الدول المغاربية، لازالت تعاني من نفس الإهمال الذي طبع السياسات التونسية المتتالية في التعاطي مع هذه القارة، المتوفّرة على ألاف فرص الاستثمار، وعلى كميات هائلة من الموارد الطبيعية وفرص العمل والشراكة والتجارة والتعاون، في مختلف المجالات، بما من شأنه، لو توفّرت سياسة واضحة واستراتيجية وطنية بالتوجه نحو العُمق الإفريقي، أن تحلّ الأغلبية الساحقة من مشاكل تونس الاقتصادية، وأن توفّر عليها جُهد البحث عن شركاء واستثمارات وحتى مساعدات وقروض في بلدان نائية، كثيرا ما تكون شروطها مجحفة، ومساعداتها مرتبطة بأجندات دولية ترهق كاهل تونس بالتزامات لا ناقة لها فيها ولا جمل.
ويعد غياب الجانب الرسمي واقتصار دوره على الحضور الدبلوماسي البروتوكولي الذي لا يأتي بفائدة تُذكر، عوضته مبادرات فردية من تونسيين، عزّ عليهم أن تخرج تونس من الساحة الافريقية، وعزّ عليهم ايضا ان يروا فرص تنمية وتعاون تضيع على تونس، دون أن يكون للتونسيين ولا للأفارقة ذنب في ذلك.
الناشط الاجتماعي والمحّكم الدولي في حل النزاعات، الاستاذ عبد الله بوعلي، أصيل مدينة دوز، اختار أن يبادر من تلقاء نفسه ليكون حاضرًا في مؤتمر المنتدى الافريقي، الذي انعقد في مدينة تجبلهو في غينيا الاستوائية, وهو منتدى استشاري غير حكومي تأسس سنة 2006 ويقع مقره الرسمي في مدينة جوهانسبورغ، ويتبع تنظيميا للاتحاد الإفريقي, ويهدف المنتدى الاستشاري إلى مساعدة الدول الإفريقية على تجاوز الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية وحل النزاعات والتدخل لإيقاف الحروب وإيجاد الحلول للخلافات التي تطرأ بين الدول الإفريقية فيما بينها أو بينها وبين الآخرين.
وأكد على أن المنتدى يتكون من العديد من الخبرات الافريقية العالمية والرؤساء السابقين للدول الافريقية مثل كوفي عنان الامين العام الأسبق للأمم المتحدة، وجون بينق أمين عام الاتحاد الافريقي السابق، والدكتور ابو بكر اندي المدير العام للبنك الافريقي للتنمية الأسبق، وكذلك المدير العام الشرفي لهذا البنك، والرئيس الأسبق لجنوب افريقيا السيد ثامبو امبيكي، واباسانجوا رئيس نيجيريا الأسبق، وسلفه الدكتور أبد السلام ابو بكر، وعلى رأسه الملك تجوسيفيني جون جرفي، رئيس ملتقى القيادات الاجتماعية الافريقية، والذي يتمتع بشعبية واسعة في غرب افريقيا، وله أنصار ومريدون في مختلف بلدان القارة الافريقية.
وأضاف أن حضوره المؤتمر جاء بناء على دعوة من رئيس غينيا الاستوائية تيودور ابينغ نقوما، باعتباره مؤسسا ومنسّقا لمنطقة شمال افريقيا، في ملتقى القيادات الاجتماعية الافريقية، والكائن مقره في دولة الكوت ديفوار، والذي ينشط في مجال حل الخلافات وفضّ النزاعات الاجتماعية والقبلية والاثنية والعرقية، وله مجالات نشاطات ثقافية وسياسية متنوعة، وبناء على ذلك فقد كان له دور كبير في انجاح مؤتمر المنتدى الافريقي، بعد ابرام عقد تعاون بين الملتقى وبين المنتدى، وأوضح أن المؤتمر الذي افتتحه رئيس غينيا الاستوائية، عُقد بحضور العشرات من الكفاءات والخبرات الافريقية والعالمية، في مجالات النشاطات الاجتماعية، والاستثمار، والثقافة والسياحة، وتبادل الخبرات التعليمية، والتكوين والتدريب، ومختلف الفعاليات التي تساهم في النهوض بالقارة الافريقية.
وكشف أن المؤتمر اختتم أعماله ببيان تطرّق فيه الى عدة نقاط لعل أبرزها, حثّ الدول الافريقية على التعاون فيما بينها في مكافحة كل أشكال الارهاب وتنسيق جهودها للقضاء عليه باعتباره أخطر آفة تهدد القارة والعالم, وانجاز وتفعيل برامج تعليمية جديدة تتماشى مع الواقع الإفريقي ومع رهانات الذّكاء وقدرات الابداع لدى الناشئة، بما من شأنه ان يسهم في النهوض بالقطاع ويساعد على خلق جيل تواّق للمسك بناصية القدرات العلمية والمعرفة الحقيقية.
ولم يخف بوعلي اعجابه بالتجارب الافريقية وخصوصا مثل هذا المنتدى الذي جمع بين أعضائه عددا من الكفاءات الافريقية التي ساهمت بشكل فعّال في صناعة تاريخ بلدانها وتاريخ افريقيا والعالم ايضا.
وقال إن غياب تونس الرسمية عن مثل هذه الفعاليات الافريقية ليس الاول من نوعه، ولن يكون الاخير، لان السياسة الخارجية التونسية لا تعتمد استراتيجية واضحة في التعاطي مع الشأن الافريقي، وأنها تعدّل بوصلتها فقط على الاسواق التقليدية، أي أوروبا الغربية والخليج العربي، ودورها محتشم جدا في الواقع الافريقي، حيث تتسابق الدول الكبرى للحضور في هذه الساحة، التي تُصنّف بالمكيال الاقتصادي، ساحة بكرا، يسهل فيها الاستثمار، وتتعدد فرص التنمية والتعاون، وتفتح أفاقا رحبًا لمزيد الرقّي وتوطيد علاقات الشراكة.
وأوضح بوعلي أنه منبهر جدا بالخطوات التي تقطعها الدول الافريقية في مجال التنمية الاقتصادية والتطور الاجتماعي والتقدم السياسي ايضا، حيث بيّن أن عديد الدول كانت الى حدود التسعينات تُعتبر الاكثر تخلفا في العالم بكل المقاييس ومسرحا لحروب أهلية كارثية، أصبحت الان تُعد من بين النماذج الديمقراطية الاكثر نجاحا في العالم.
وأضاف أن غرورنا في تونس هو الذي يدفعنا لاعتبار بلادنا هي المثال في التجربة الديمقراطية، في حين ان عديد البلدان الافريقية شهدت مسارات انتقال ديمقراطي قبلنا، وعرفت مصالحات وطنية واسترداد حقوق وآليات اعتذار وردّ مظالم، ناجحة وناجعة وفعّالة، وتمكنت هذه الدول من تجاوز الصعاب والولوج الى عامل التنمية والاستقرار السياسي والبحث عن مجتمع الرفاه والوفرة
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر