كشفت الفنانة التشكيلية الفلسطينية ريما المزيّن عن فلسفتها الخاصة لأكثر من حقيقة عاشتها، وأكثر من صورة اكتسبتها وحوّلتها بجمالية إلى لوحات تطبع في الذاكرة لتستقر في أذهان قرائها.
وأوضحت المزيّن في حوار خاص مع "المغرب اليوم" كيفية تمكنها من الخروج من حالة الاكتساب إلى ترجمة الموهبة بالريشة والألوان، مبيّنة "دائما ما أعتبر نشأتي في بيت الفنان الأمين العام لاتحاد الفنانين التشكيليين الفلسطينيين ورائد من رواد الحركة التشكيلية الفلسطينية والدي الدكتور عبد الرحمن المزيّن، وسامًا أضعه على صدري، وسببًا من أسباب تشكّل موهبتي الفنية".
وأضافت "منذ الطفولة عشت ضمن تفاصيل مرسم والدي في سورية، وشهدت أروع لوحاته وملصقاته المرتبطة بالثورة الفلسطينية، تعلمت من وقتها كيف يكون الفن أحد أهم الوسائل في الدفاع عن القضية وعن الهوية الفلسطينية"، مبدية سعادة كبيرة برعاية وافتتاح والدها لآخر معرض شخصي لها بعنوان "حكايتها مع الشجر" في العاصمة الأردنية عمان".
وأكدت أن "أهم ما اكتسبته أو تعلّمته، هو تعلّم أهمية اللون كقيمة للتعبير، وأهمية الفكر والقراءة بشكل عام، وبشكل خاص في تراثي وحضارتي الفلسطينية، كقيمة لتأكيد هويتي ونشر حضارتي وثقافتي الفلسطينية الغنية بالفن والجمال، والدفاع عن قضايا شعبي المحتل، وفضح الانتهاكات اللانسانية ضده، وحالة الاكتساب هذه، كانت اللبنة الأولى التي بنيت عليها أسلوبي الخاص فيما بعد، رغم تأثري في بداية مشواري الفني برسومات والدي (حزم الخطوط الحلزونية، قرص الشمس، أسلوب التنقيط والخطوط، تكوين جسد المرأة)".
وبيّنت "طفولتي للأسف لم تكن في وطني فلسطين، فكانت طفولتي لغاية مرحلة الثانوية العامة في عدة دول مثل سورية ولبنان وليبيا وقبرص وتونس، إلى أن عدنا بعد اتفاقية السلام مع والدي إلى ارض الوطن، وكانت هذه المرة الأولى التي أرى فيها وطني، وأكملت هناك مرحلة الجامعة في جامعة الأقصى في غزة "تربية فنية"، وعقب تخرجي أقمت أول معرض لي تحت رعاية الرئيس الراحل ياسر عرفات ضمن أربعة معارض فنية للدكتور عبد الرحمن المزين ومحمد المزين وريما المزين، احتفالاً بالألفية في مدينة بيت لحم في مركز الفنون لسيدة مها السقا".
وتابعت المزيّن "أقمت معرضًا ثنائيا مع الفنان شحدة ضرغام في قرية الفنون في غزة، هذا بالإضافة إلى المشاركة الفنية الجماعية، ومن ثم تخرجت وعملت في مؤسسة ثقافية إلى أن سافرت في عام 2004 إلى مصر، التي مكثت فيها سبعة أعوام، أكملت خلالها الدراسات العليا "ماجستير" في التصميم/غرافيك، وعملت هناك في سفارة فلسطين لمدة عامين، مسؤول للثقافة والفنون في المركز الإعلامي والثقافي الفلسطيني التابع لسفارة دولة فلسطين في القاهرة، كان لاستقراري في مصر حضور فني مميز، استفدت خلاله من خبرات أساتذتي في الجامعة، واكتسبت رؤية فنية جديدة من خلال اطلاعي على معارض وبيناليات وصالونات فنية، وأخذ أسلوبي الفني ينضج أكثر فأكثر فكريًا وفنيًا، فكنت أطوّر خبرتي الفنية في خطين متوازيين (الخط الأكاديمي والخط الفني)، إلى أن ختمت إقامتي في مصر عام 2010 بمعرض شخصي بعنوان (الجسد ذاكرة المكان)، لانتقل بعدها إلى الإقامة في إيطاليا وارتبط بالمخرج الأردني عاهد عبابنة".
وواصلت "قبل عودتي إلى الوطن، كانت فلسطين في مخيلتي صورًا رسمتها عبر ذاكرة وحكايات والدي ووالدتي عن فلسطين، وأيام النكبة وكيف هاجروا من مدنهم ليسكنوا مدن الشتات، ولكن عند عودتي إلى الوطن أصبحت أنسج صورًا من واقع أعيش تفاصيله يوميًا من عام 1995 إلى عام 2004، شهدت بها أحداثًا مثل انتفاضة الأقصى ومذبحة مخيم جنين، والقصف والاغتيالات في قطاع غزة، مرورًا ببداية الصراع بين فصيلي فتح وحماس في غزة، كل هذا عبرت عنه من خلال مشاركتي عام 2003 بملتقى سيدات الشارقة المرأة رؤية عالمية، والتي قدمت فيها 12 لوحة فنية تحاكي هذه الأحداث، ولا أزال إلى اليوم أسرد قضايا وطني عبر أعمالي الفنية، بوسائط متعددة عبر التشكيل أو فيديو أرت أو عبر الصورة الرقمية".
وتحدثت المزيّن عن التقنية التي تستخدمها في أعمالها الفنية، مبينة أن "تقنية تنفيذ العمل الفني تتبع الفكرة، فهناك فكرة قد تنفذ عبر التشكيل وهي أغلب أعمالي الفنية، أو عبر الفيديو آرت الذي بلغ لغاية الآن 12 فيلمًا، أو عبر الصورة الرقمية التي قدمتها أول مرة، في مجموعة أعمالي الفنية (ثوب ولون) عام 2011 بدمج أجزاء من لوحاتي الفنية وصور قديمة لصبايا فلسطينيات ترجع إلى عام 1920".
وشرحت كيفية ابتعادها بأفكارها عن الخطوط التقليدية في الرسم التشكيلي، وإمكانية اعتبار خط لوحاتها حالة خاصة تعيشها وحدها بعيدًا عن مفهوم العصرنة، موضحة "أسعى دومًا إلى إعادة توليد الأشياء والرموز والمفردات البصرية في حضارتي وتراثي الفلسطينية أو في الأشياء التي نستخدمها في حياتنا اليومية، وتنظيمها وفق رؤيتي الفنية الخاصة، وأرمي عليها إسقاطات ودلالات ومعاني لتعبّر عما أريده وبمنح تلك الأشياء والرموز ، معنى جديد لا علاقة له بالأصل"، مضيفة "هذا ما يميّز أسلوبي الفني عبر التشكيل التجريدي الرمزي، ويعطي لفني خصوصية وخط فكري وفني يميزني عن الآخرين، يحمل في طياته التقليدي والعصري بنفس الوقت".
وأردفت "الفن بالنسبة لي وسيلة تعبير عما يجول في مخيلتي، أهدف من خلاله مشاركة الآخرين أفكاري، وأيضا الهدف من أعمالي الفنية التي أقدمها هو طرح القضايا الاجتماعية والسياسية المرتبطة بوطني على وجه الخصوص، والقضايا الإنسانية المتعلقة بالحرية والسلام بشكل عام، عبر التشكيل واللون والصورة والفيديو".
وبررت ريما كيفية استشفاف أفكارها اليومية وترجمتها ألوانًا على لوحاتها، "طرحت هذه المسألة علي من قبل ناقدة فنية إيطالية الدكتورة فلوريانا، في المؤتمر الصحافي المرافق لمعرضي الشخصي (الحضور والغياب) بعرضه الأول في مدينة فينوسا، وأجبتها وقتها أن هذه القيمة تعلّمتها من والدي، كيف كان يعبّر عن الموت والشهيد والمجازر والقتل بلوحة ذات قيم جمالية وفنية رغم قساوة الموضوع".
وأكملت "إننا نعيش في عالم مليء بالتناقضات، وهذا التناقض تحمله الألوان في أعمالي الفنية، فاللون الأحمر يعبّر عن حالة حب، وبنفس الوقت يعبّر عن القتل والدم والحرب، اللون الأزرق المخضر يحمل في طياته معنيان مختلفان، الصفاء والحلم والحياة وأيضاً الموت والظلام والمرض والحزن.
وزادت "عندما أشرع برسم موضوع كأطفال الحرب أو العنف ضد المرأة، أو مواضيع ذات ملامح حزينة، تكون القيمة اللونية والجمالية حاضرة بالدرجة الأولى، فليس بالضرورة عندما نرسم موضوعًا قبيحًا أن ننقله بنفس القبح على سطح اللوحة، يكفي ما تنقله شاشات التلفزة والصور الفوتوغرافية من واقع مؤلم، وهنا تأتي وظيفة الفنان أن يحوّل هذا القبح إلى جمال، أن يحوّل الموت إلى حياة عبر لحن أو كلمة أو لوحة، دون أن يفقد الموضوع مضمونه الإنساني".
وأشارت المزيّن إلى أن "ما يدور حولي من أحداث سياسية واجتماعية، يدفعني أن أكون ملتزمة أمامها، فلا أستطيع أن أرسم عن الجمال دومًا، ووطني العربي يمر بأزمات وأحداث عصيبة، فأنا لا أفتعل التجربة بقدر ما تسكني هذه الأحداث وتلازم مخيلتي إلى أن أترجمها بأعمالي الفنية، فصدق ما أقدمه من فن يصل بصدق إلى المتلقي على اختلاف قوميته، عربي أو أجنبي، فأنا أعبّر عن قضايا إنسانية تعيشها شعوب في أرجاء العالم".
ولفتت إلى أن من هذه القضايا "قضية الهجرة غير الشرعية عبر قوارب الموت وأطفال الحرب، التي طرحتها في معرضي الشخصي، (أنا لست رقم) في ايطاليا عام 2013، وأيضًا قضايا تحرر المرأة والعنف ضدها، وقضايا ختان الفتيات والاغتصاب وعمليات التجميل والتحرش والزواج المبكر للفتيات الصغيرات، ضمن معرضي الشخصي، (أنا لست دمية) في مصر 2015، وأيضًا عبّرت عن حرب غزة الأخيرة عام 2014، وأيضًا عن أطفال العراق المسيحيين الذين هجّروا من بيوتهم في مجموعة ن، ضمن معرضي الشخصي (الحضور والغياب) عبّرت من خلاله عن أطفال الحرب وما يتعرضون له من انتهاكات ضد الإنسانية، وهذا المعرض تحديدًا عرض في مدينتين إيطاليتين، بحضور ثلاثة رؤساء بلدية إيطاليين، وأعتبر أيضاً مشاركتي في أولى فعاليات (ماتيرا عاصمة الثقافة الاروبية) التي انطلقت العام الماضي وتستمر لغاية العام 2019، كان تقديرًا لفني، وللقضية الفلسطينية ولقضايا وطننا العربي".
ورأت المزين أن "الفنان كلما كان حقيقيًا وصادقًا فيما يقدمه، وكلما كان قريبًا من ثقافته وقضاياه العربية، كلما وصل إلى العالمية، وأن أغلب جوائزي كانت لأعمال تعبّر عن فلسطين، بشكل مباشر بلوحتي (عندما يزهر الحنون) و(ماماميا عن مريم العذراء)".
وتطرقت إلى حصولها على أكثر من جائزة عالمية، ونتائج الفوز عليها عمليًا وفنيًا، "أذكر أهم هذه الجوائز وهي الجائزة الأولى في مجال الرسم في بينالي روما الدولي للفنون 2014، جائزة المرتبة الأولى (أفضل فنانة) ضمن مشاركتي في المعرض الفني الدولي الذي أقيم في مدينة (كاستيلاماري دي ستابيا) عام 2013 في قاعات القصر الملكي، في محافظة نابولي/ إيطاليا، وفي عام 2011 تم تكريمي كضيفة شرف في مهرجان باري المرأة بالفن".
ونوّهت بأن "هذه التكريمات والجوائز بالنسبة إليّ هي بمثابة تقدير لما أقدمه عبر فني الملتزم بقضايا إنسانية، وأيضاً بموروثي الأسطوري والثقافي والتراثي الفلسطيني، ويجعلني أشعر بالرضا عما قدمته عبر 20 عامًا من البحث في خلق أسلوب مميز خاص بي، والتجريب في الخامات والتقنيات الفنية المختلفة، وأيضًا الجوائز والتكريمات تولد لدي الشعور بأني على الطريق الصحيح فنيًا وأن ما أقدمه ذو قيمة فنية وفكرية".
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر