مفهوم الاستثمار في المجال الرياضي

مفهوم الاستثمار في المجال الرياضي

المغرب اليوم -

مفهوم الاستثمار في المجال الرياضي

بقلم - سعيد بلفقيه

يرتبط مفهوم الاستثمار ارتباطا عضويا بالمجال الإقتصادي،حيث يعتبر قطب رحاه بتوفير رساميل مهمة لإحداث وحدات إنتاجية في مجالات عديدة ومتعددة،ونظرا لأهميته تلك، فهو يتموقع كأحد أهم المؤشرات المعتمدة في قياس ارتفاع أو انخفاض نسبة معدل نمو اقتصاد بلد معين  ، لذلك أصبح يحظى بأهمية قصوى لدى القائمين على الشأن الاقتصادي الذين ينشدون تنمية وتطوير اقتصاديات بلدانهم بتشجيع وتحفيز ذوي الرساميل سواء كأشخاص ذاتيين أو معنويين محليين أو أجانب واستقطابهم للاستثمار عبر طرق ترويجية وتحفيزية متعددة
  وبالحديث عن الرياضة على اعتبار أنها تندرج ضمن الخدمات العمومية التي تعمل الدولة على تأمين استفادة الفئات المستهدفة منها بتمويلها والإشراف عليها بشكل مباشر أو غير مباشر. فلا اختلاف عن كونها أضحت ظاهرة إنسانية عرفت تطورات سوسيوتاريخية مهمة واكبت من خلالها المجتمع البشري بكل تمظهراته عبر تعاقب الأزمنة والأجيال واصطبغت بصور عديدة ومتجددة تعكس جانبا من الثقافة السائدة في كل عصر ولكل جيل حتى بلغت شكلها الحالي والمتمثل في تمركزها كقطب سوسيو اقتصادي يحظى بمكانة استراتيجية في السياسات العمومية للحكومات، حيث تجاوزت الرياضة أدوارها التقليدية المتجلية في الممارسة الرياضية التلقائية وإبراز المواهب وتفريغ الطاقات واستثمار الوقت الحر لدى الممارسين وما دون ذلك من المفاهيم التي ارتهنت بها الرياضة عبر التاريخ، فكل تلك التوصيفات أضحت من بديهيات الممارسة الرياضية، لكن ما يمكن اعتباره ثورة بيضاء في هذا المجال ، هو غدوها من مجالات الاستثمار وتوظيف رساميل هائلة بعدما أثبتت الرياضة جاذبيتها لرجال الأعمال والشركات الاستثمارية لاقتحامها والاستفادة من عائداتها المالية الضخمة باعتمادها على الفرجة الرياضية كمادة إنتاجية التي تبدّى للمهتمين بها كونها مجالا خصبا ومربحا، اعتبارا لشعبية بعض الأنواع الرياضية التي تستقطب جماهير غفيرة تجد ضالتها في الرياضة كمتنفس من ضغوط الحياة. وهذا ما يسعى المستثمرون إلى استغلاله حيث ينظرون إلى تلك الجماهير ككتلة استهلاكية وجب الحفاظ عليها والسعي إلى مضاعفة أعدادها بتوفير أكبر قدر ممكن من المتعة الفرجوية والسعي الدائم  إلى تجويدها كخدمة تستجيب لانتظاراتهم وهي صمام الأمان لنجاح مشاريعهم، وبالتالي حصد الأرباح والعائدات. لهذا نجد أن المؤمنين بهذا التوجه قد تبنوا فكرا مقاولاتيا في تسيير وتدبير الأجهزة الرياضية موضوع الإستثمار، حيث تم تحويلها إلى كيانات ومؤسسات تجارية وفق شروط ومعايير مقاولاتية بضخ الموارد المالية اللازمة وتوفير الموارد البشرية المتخصصة والمفعمة بالثقافة الرياضية علاوة على احتكامها إلى منطق وفلسفة الأرقام التي يرتكز عليها الفكر المقاولاتي، وذلك قصد المزج بين الثقافتين في أفق تحسين والرفع من رقم المعاملات، وبالتالي بلوغ الأهداف المسطرة لكل الأطراف سواء كمستثمرين أو ممارسين أو الشركاء ذوي الصلة من مستشهرين ومنابر إعلامية وجماهير.
  ولعل أهم ما يمكن الاستدلال به في هذا الجانب هو الاهتمام الكبير بشراء أندية أوروبية كروية حيث السعي إلى امتلاكها بأكملها أو حصص من رأس مالها بعدما استطاعت تحقيق امتدادا جماهيريا كبيرا، مما انعكس على عائداتها المالية الطائلة. الشيء الذي حمل المستثمرون على التهافت عليها والاستثمار في مادتها الإنتاجية ،ولكن ما ينبغي الإشارة إليه في هذا الجانب هو  أن هذا التهافت والإقبال الكبيرين على هذا النوع من الاستثمار يستند على أرضية صلبة ذات ضوابط قانونية ومالية محكمة تعتبر المنطلقات الأساسية التي يحتكم إليها المستثمرون. وبالإضافة إلى بيع الفرجة،فالمجال مفتوح كذلك للاستثمار في منتوجات رياضية أخرى أثبتت نجاعتها في إدرار أرباحا مضاعفة كالتغطية الإعلامية وخلق مدارس وأكاديميات يعهد إليها بمهمة التكوين الموجه للشباب والنشء الصاعد لإعداد جيل من الممارسين،  وبالتالي الاستثمار في العنصر البشري كطرف متدخل في الإنتاج المباشر للفرجة علما بأن فئة الشباب هي المرتكز الأساسي لهذه العملية.

وبالإضافة إلى كل ما سلف بسطه،فإن الانعكاسات الإيجابية للاستثمار الرياضي تمتد إلى خارج المنظومة الرياضية وذلك لارتباطه الوثيق بعدد من القطاعات الأخرى، وهذا ما يمكن أن نستشفه من التهافت على احتضان التظاهرات الرياضية الكبرى القارية والكونية، حيث يفرض على الدولة المنظمة أن تلتزم بدفتر تحملات يكون شاملا لمجموعة من الالتزامات في ميادين مختلفة.فعلاوة على توفير الملاعب بمقاييس متعارف عليها عالميا،فإنه يستلزم كذلك تهيئة عدد من البنيات التحتية التي يرتهن بها نجاح أي تظاهرة رياضية دولية من قبيل التجهيز الطرقي وتوفير الوحدات الفندقية ومؤسسات وخدمات صحية إلى غير ذلك من شروط التنظيم التي تنعكس إيجابا على مختلف مناحي الحياة المرتبطة بها، وذلك لكون استفادة التظاهرات من هذه البنيات التحتية تكون ظرفية ومرحلية بينما استفادة الدولة المنظمة منها طويلة الأمد ودائمة علاوة على توفير مناصب شغل مباشرة وغير مباشرة تستفيد منها فئة الشباب بحصص معينة مادامت تشكل نسبة مهمة من الفئات النشيطة. من هنا نثمن  مبادرة القائمين على الشأن الرياضي ببلادنا في سعيهم الحثيث إلى نيل شرف تنظيم تظاهرات قارية وكونية من قبيل،  كأس إفريقيا للأمم، وكأس العالم للأندية البطلة، بطولة "الشان" الملتقى الدولي محمد السادس لألعاب القوى ، بطولات قارية وعالمية في أصناف رياضية مختلفة ، ومحاولات ربح رهان تنظيم كأس العالم ، آملين أن تفوز بلادنا بهذا الاستحقاق بما يتماشى وما سلف ذكره.

  وإجمالا يمكن الجزم بأن الاستثمار في المجال الرياضي هو استثمار استراتيجي أثبت فاعليته ونجاعته ولا ضير في كونه بات من القطاعات الحيوية التي وجب التركيز عليها في السياسات العمومية للدولة.
 وارتباطا بذات السياق،وبالإنتقال إلى الحديث عن القطاع الرياضي في المغرب بانكساراته وانتصاراته،فإنه لا مناص من القول بأنه من القطاعات المؤثرة في الرأي العام المغربي بحيث تعرف الرياضة متابعة جماهيرية واسعة من لدن مختلف الفئات الاجتماعية تتفاعل معها وبها بشكل أصبحت تحتل حيزا مهما في اهتماماتها اليومية، ولعل خرج الشعب المغربي داخل الوطن وخارجه احتفالا بالإنجازات التاريخية لكل من الوداد البيضاوي و بفوزه بالبطولة الإفريقية للأندية، وتأهل المنتخب المغربي إلى نهائيات كأس العالم بروسيا، فهذا الاهتمام الجماهيري بالرياضة يُـعد من أبرز مقومات الاستثمار الرياضي. لذلك أضحى لزاما على القائمين على الشأن الرياضي ببلادنا الالتفات إليه بشكل عاجل وممنهج لتشخيص الوضع القائم ووضع الأصابع على مكامن الاختلالات والبحث عن الحلول الناجعة والقابلة للأجرة والتطبيق في أفق استعادة أمجادها واسترجاع ألقها .وهذا لن يتأتى إلا باعتماد استراتيجية هيكلية تنشد الانتقال بالرياضة الوطنية من طابع الهواية إلى عالم الاحتراف كما دعا إلى ذلك صاحب الجلالة الملك محمد السادس في المناظرة الوطنية للرياضة بالصخيرات.وهذا ما يمكن اعتباره أيضا من شروط استقطاب الاستثمار في المجال الرياضي ،وحسب ذات الرؤية فلا مناص من التركيز على البناء القاعدي ورياضة القاعدة باعتبارها الخزان الرئيسي لرياضة النخبة في كل الأنواع الرياضية ومشتل أساسي لتكوين وإعداد جيل المستقبل الرياضي،فبالإضافة إلى ضرورة إعادة الاعتبار للرياضة المدرسية، فإنه بات لزاما إحياء رياضة الأحياء أو رياضة الشارع باعتماد ملاعب القرب التي تسهم في احتضان المواهب وتأطيرها وذلك لتقريب خدمة التأطير الرياضي للممارسين الناشئين والشباب بغرض تعزيز الثقافة الرياضية وتعميمها وتوسيع قاعدة الممارسين وتحقيق تكافؤ الفرص في التأطير والتكوين خصوصا في المناطق التي تعرف خصاصا في البنية التحتية المخصصة للرياضة القاعدية،وهنا ن ومن باب الإنصاف، نثمن خطة وزير الشباب والرياضة الذي أعلن عن رؤية إحداث 800 ملعب رياضي للقرب في مختلف أرجاء المملكة خصوصا منها المحرومة من هذه الخدمة العمومية، وهذا من شأنه أن ينعكس إيجابا على الأندية الرياضية بمختلف أنواعها وفئاتها ، خصوصا القاعدية منها،  هذه الأخيرة ينبغي للأجهزة الرياضية أن توليها العناية اللازمة لها، وأن تخصص لها منافسات خاصة بها لاكتساب التجربة لتأهيلها وإعدادها لتثبيتها كمزود رئيسي للأندية وبالتالي لرياضة النخبة.لذلك أصبح لزاما على الأندية اعتماد برامج لهذه الفئات وفق دفتر تحملات يلزمها بذلك.وقبل هذا وذاك ،ينبغي تعزيز الترسانة القانونية بقوانين وتنظيمات إدارية تسهل عملية الانتقال من الممارسة الهاوية إلى النمط الاحترافي وهو الكفيل بتطوير الممارسة الرياضية والرقي بها حتى تكون محط جذب ومتابعة إعلامية وجماهيرية واسعة كشرط من شروط الاستثمار.  وإن كان النمط الاحترافي قد عرف طريقه إلى لعبة كرة القدم،فإنه ما يزال يتلمس ظروف الإقلاع الحقيقي مادامت معاناة بعض الأندية مستمرة في بعض الصور  المرفوض تواجدها في عالم الاحتراف، بحيث أصبح من اللازم تجاوز المنظور التقليدي للأندية من كونها فضاء للممارسة الهاوية والانتقال بتفكيرها إلى كيانات ذات رؤية وممارسة احترافية تسمح بتسويق وترويج المنتوج الفرجوي للرياضة المغربية وكرة القدم على الخصوص مادامت اعتمدت كمشروع نموذجي في أفق تعميم الاحتراف على باقي الرياضات لجلب الاستثمار الكفيل بإيلاج الرياضة المغربية عالم المال والأعمال.
  ولبلوغ الرؤية السالفة الذكر، لابد من التأكيد على أن الراهن الرياضي المغربي يتطلب وضع سياسات عمومية  مندمجة على اعتبار التداخل والتلازم الوظيفي لمجموعة من القطاعات الحكومية في الشأن الرياضي. وقبل هذا وذاك،ينبغي الإيمان بكون هذا القطاع ما فتئ   يحتضن فئة الشباب على الخصوص يؤثر فيها وتتأثر به بفعل وتفاعل متبادلين وجب النظر إليه باعتباره من الركائز السوسيواقتصادية التي يمكن أن تراهن عليها تلك السياسات العمومية في مقاربتها وإعمالها لنماذج تنموية جديدة ومتجددة بمنطق الاستثمار في الرياضة استثمار في الشباب والمستقبل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مفهوم الاستثمار في المجال الرياضي مفهوم الاستثمار في المجال الرياضي



GMT 13:19 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

"خوكم بدون عمل"

GMT 20:05 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

فاقد الشيء لا يعطيه

GMT 20:48 2018 الأربعاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

إدمان التغيير

GMT 20:16 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طاليب والحلوى المسمومة

GMT 12:48 2018 الأحد ,28 تشرين الأول / أكتوبر

"الكان" في المغرب

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 11:13 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

هيفاء وهبي تعود لدراما رمضان 2025 بعد غياب 3 سنوات
المغرب اليوم - هيفاء وهبي تعود لدراما رمضان 2025 بعد غياب 3 سنوات

GMT 06:41 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

GMT 06:21 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 20:32 2024 الأحد ,27 تشرين الأول / أكتوبر

ختام المهرجان

GMT 07:32 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية في غرب إفريقيا تجمع بين جمال الطبيعة والثقافة

GMT 14:51 2023 الثلاثاء ,28 آذار/ مارس

هيفاء وهبي بإطلالة رمضانية أنيقة وراقية

GMT 20:12 2022 الإثنين ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

تويتر تبحث أزمة توثيق الحسابات
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib