باريس ـ مارينا منصف
تخلَّص متحف "اللوفر" في باريس من الهرم الزجاجي الكبير في الباحة الرئيسية "كور نابليون" لقصر اللوفر في العاصمة الفرنسية ، وهو الأمر الذي اعتبره مراسل صحيفة "غارديان" البريطانية، أمرًا مبالغا فيه. فعلى الرغم من أن هذا المدخل الزجاجي للمتحف لا يحظى بتقدير الكل منذ الانتهاء من إنشائه في عام 1989، و لكنه أصبح معلماً لمدينة باريس.
ولكن مراسل الصحيفة عاد مرة أخرى للقول بأن الهرم لم يختفِ تماما، وإنما تمت تغطيته بجدارية تصوير خادعة للعين من تصميم فنان الشارع "جيه ار" الذي عدَّل بشكل مقنع واجهة قصر اللوفر، وإضاف لمسة حديثة على مدخل المتحف. بالإضافة إلى ذلك غطى "جيه ار" أيضا ناطحة السحاب (شارد) في لندن، وغيرها من ناطحات السحاب الأخرى في بريطانيا المشهورة بصورة من الغيوم حتى لا يمكنك أن تراها بعد ذلك؟
وتعتبر الصدمة الحقيقة في هذه القصة أن "جيه ار"، الذي بدأ حياته في إعلانات الشوارع في باريس، و يفعل حاليا نفس الشيء ولكن على نطاق أكبر ، تم تكليفه بإجراء هذه الحيلة البصرية من مؤسسة جليلة مثل متحف اللوفر. ورأى مراسل الصحيفة أن "جيه ار" أشبه ببانكسي الذي أصبح فنانا محليا في المتحف الوطني في لندن، إلا أن الأول فنان أكثر تعقيدا في عمله، إذ يفكر في المساحة والواقع وطبيعة تقديم العمل الفني.
ووفقا للصحيفة، تعد باريس إحدى المدن الغنية بالفن المعماري، والمدن الأكثر مدنية على نطاق واسع، ما يجعلها مثالية بالنسبة لـ جيه ار. فالإحياء بزوال هرم اللوفر هو عرض مبهج من الفن العام.
ففن الخداع البصري يعود تاريخه لقرون طويلة تعود لاكتشاف الرسم المنظوري في عصر النهضة. فلقد أتاحت تجارب فناني عصر النهضة الفرصة لخلق فضاءات وهمية ثلاثية الأبعاد في لوحاتهم، مما يجعل السطح المستوي يبدو أنه نافذة لغرفة أو مدينة أو منظر طبيعي. ويمكن استخدام نفس النظرية لخلق خداع بصري في المباني أو على واجهاتها.
ففي كنيسة سانتا ماريا بريسو سان ساتيرو في ميلان، صمم مهندس النهضة دوناتو برامانتي (صديق ليوناردو دا فينشي) خدعة العين لا تصدق مثل خدعة هرم اللوفر لـ" جيه ار"، فعندما تمشي نحوه تكتشف في النهاية أنه ليس موجودا هناك على الإطلاق، فلقد استخدم برامانتي العلم المنظوري لجعل استراحة ضحلة تبدو وكأنها فضاء كبير.
ولم يكن هذا الأمر حصريًا على أصدقاء ليوناردو الذي يتقن مثل هذه الحيل البصرية في عصر النهضة في إيطاليا. فلقد كان هناك بعض الفنانين المتخصصين في الرسم واجهات المنازل والقصور لتبدو أكبر أو أكثر زخرفة مما كانت عليه في الواقع. وقد وصلت هذه المهارة إلى مستويات خيالية في مدينة جنوى، التي كانت شوارعها الضيقة مليئة برسومات الخداع البصري، حيث لا يمكنك أبدا التأكد إذا كان المبنى هو حقا هناك أم لا.
ويمكن التمتع بالخداع البصري أيضا في شمال أوروبا أيضا، وخاصة في المتحف الوطني في لندن برؤية أعمال صومايل فان هوخستراتين، التي تعود إلى منتصف القرن 17، حيث يوجد خداع بصري ثلاثي الأبعاد.
واليوم في الواقع الافتراضي على وشك أن تصبح هذه الخدع البصرية ثلاثية الأبعاد مألوفة مقارنة بأي وقت مضي، فهرم اللوفر الخفي هو في أساسه عمل تقليدي عميق لفن متجذر يعود إلى عصر النهضة.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر