دينامية اجتماعية رائدة شهدتها المملكة منذ تولي الملك محمد السادس العرش، إذ باشَر العاهل المغربي العديد من المبادرات ذات النفس الاجتماعي الإصلاحي، بالموازاة مع الإصلاحات الاقتصادية والسياسية والحقوقية؛ فبعد المرحلة العصيبة التي شهدتها البلاد في فترة ما بعد الاستقلال، نتيجة التدافع السياسي الذي طبع المرحلة، جاء الملك بترسانة اجتماعية جديدة، تسعى إلى تغيير الأوضاع القائمة آنذاك، وهو ما تحقق بعد مسار طويل من الإصلاح، المسنود بالرؤية الإستراتيجية على المدى الطويل.
في هذا المقال التحليلي، تجرد جريدة هسبريس الإلكترونية مختلف الإنجازات الملكية في شقها الاجتماعي، من قبيل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وتعويض ضحايا "سنوات الرصاص" ومحاربة الفقر، ثم إعادة إسكان قاطني دور الصفيح وتأهيل المدن العتيقة؛ ناهيك عن مبادرة "المليون محفظة" وإنشاء المراكز الثقافية والمرافق الرياضية والاجتماعية والتكوين المهني، واللائحة طويلة.
زين الدين: أوراش اجتماعية كبيرة
قال محمد زين الدين، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري في جامعة الحسن الثاني، إن "حصيلة عشرين سنة من حكم الملك محمد السادس مهمة للغاية، لأن المغرب قطع أشواطا مهمة في فتح الأوراش ذات الصبغة الاجتماعية؛ ذلك أن القيام بملاحظة بسيطة بين 1999 والآن تبرز وجود انتقال كمي ونوعي، من خلال فتح مجموعة من الأوراش ذات الصبغة الاجتماعية، إذ نسجل الارتفاع في معدلات التمدرس وولوج التربية، ثم تعزيز البنيات التحتية، وخلق برامج وطنية للاستدراك؛ وهي من المسائل التي ميّزت عشرين سنة من الإنجاز الشامل في عهد الملك محمد السادس".
إقرأ أيضا:
الملك محمد السادس يُعزِّي في وفاة رئيس الجمهورية التونسية
وأضاف الدكتور زين الدين، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "هنالك برامج ذات صبغة اجتماعية تستهدف محاربة الفقر والهشاشة؛ من قبيل برنامج تيسير وراميد ومحاربة الأمية، إلى جانب البرنامج العام لتزويد الوسط القروي بالماء، ثم البرنامج الوطني لبناء الطرق، وغيرها؛ ذلك أن الدولة تسير اليوم في اتجاه تجميع مختلف البرامج في برنامج موحد، من شأنه العمل على محاربة الفقر والهشاشة بالنسبة لأزيد من تسعة ملايين مغربي"، وزاد مستدركا: "لكن الجهود التي بذلت فيها نوع من القصور، بحيث نسجل محدودية التغطية الاجتماعية رغم تنوع الأنظمة القانونية".
وأوضح الأستاذ الجامعي في كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالمحمدية أن "الدولة اعتمدت مقاربة جديدة مع الملف الاجتماعي، إذ كانت الخدمات الاجتماعية تغدو أساسية سابقا، حينما تتدخل الدولة لتوفيرها، في حين لا يمكن أن تقوم بإنتاج الخدمات الاجتماعية لوحدها، ومن ثمة أصبحت تعي بأنه لا بد من إشراك فاعلين جدد، مثل الجماعات الترابية والقطاع الخاص والجمعيات، ما سيساهم في تسريع وتيرة ولوج المواطن إلى الخدمات؛ إلى جانب وجود إدراك عميق للولوج إلى هذه الخدمات، حتى لا تختزل في ما هو متوفر، بل ينبغي رفع كل العراقيل التي تفق دون وصولها، خصوصا لدى الفئات المستضعفة".
وأكد الأكاديمي المغربي أن "الدولة ستعمل على تعزيز الحماية الاجتماعية ومحاربة الفقر والهشاشة، من خلال بروز بنيات مؤسساتية جديدة للتضامن، نتيجة تراجع وتفكك الأشكال التقليدية للتكافل العائلي، ومن أبرزها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في 2003، إذ قدمت تشخيصا دقيقا للسياسات العمومية في شقها الاجتماعي، فضلا عن اعتماد منظور جديد لمواجهة مختلف الظواهر المرتبطة بالفقر والإقصاء والهشاشة"، وزاد: "حدث تحول كبير في العشرين سنة الماضية، إذ أعطت الدولة اهتماما كبيرا للأوراش الاجتماعية".
وتابع صاحب كتاب "القانون الدستوري والمؤسسات السياسية" أن "العديد من النواقص اعترت الأوراش الاجتماعية من ذي قبل، بسبب سياسية التقويم الهيكلي في 1983، وحدوث التحول في الأشكال التقليدية للمجتمع المغربي؛ فضلا عن صعوبات برزت على مستوى ربط التمدرس بسوق العمل، ليُحاول الملك محمد السادس، منذ وصوله إلى العرش، إيلاءها أهمية كبرى من خلال محورين؛ إذ حدث تغيير على مستوى البنيات المؤسساتية للتضامن، مثل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي عرفت تقديم مشاريع مدرة للدخل"، مستدركا: "عرفت هذه البنيات المؤسساتية تحولات كبيرة وفقا للأوضاع الاجتماعية التي عرفها المغرب".
عايش: مبادرات اجتماعية متنوعة
من جانبه، أكد كريم عايش، الباحث في العلوم السياسية، أن "المتتبع لمسيرة المملكة طيلة العشرين سنة الماضية سيقف كثيرا وهو يتأمل مواقف ومجهودات المغرب في محاربة الفقر والهشاشة، عبر إيلاء عناية خاصة لذوي الاحتياجات الخاصة، لاسيما المعوزين منهم؛ بإحداث مراكز اجتماعية لتكوينهم وتأهيلهم، والارتقاء بوضعهم عبر سياسة إدماجية في شوق الشغل وتشجيع أنشطتهم الرياضية والعلمية، حتى تمكنوا من تحقيق ألقاب وبطولات شرفت المغرب قاريا ودوليا".
وأوضح عايش، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "برامج محاربة الفقر توسّعت لتحارب الهشاشة والأوضاع الاجتماعية الصعبة، عبر العديد من المبادرات الاجتماعية المتنوعة، من قبيل "مليون محفظة"، وبرامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية الاجتماعية، وكذا برامج وبنايات مؤسسة محمد الخامس للتضامن الاجتماعية والإنسانية، التي جعلت من التضامن، عبر حملتها السنوية لجمع التبرعات، تقليدا مغربيا يكرس ما عرف به المغاربة من تآخ وكرم ومساعدة".
وأبرز عضو مركز الرباط للدراسات السياسية والإستراتيجية أن "أنشطة الوحدات الطبية للقوات المسلحة الملكية اعتمدت الشعار نفسه، وذلك بأمر من القائد الأعلى الملك محمد السادس، إذ حطت خيمها ومعداتها وعتادها في أقاصي الجبال والجنوب، لتقريب الخدمات الطبية والاستشفائية من المعوزين، ونقل الحالات الصعبة منها عبر مروحيات إلى المستشفيات الكبرى المجاورة".
ويتابع عايش بالقول: "في خضم هذه الجهود، عرفت أوضاع الشباب نهوضا نوعيا بإحداث مرافق رياضية ومراكز ثقافية واجتماعية للعلاج من الإدمان وللتكوين المهني، كما عرفت أوضاعهم عناية خاصة بتشجيعهم على دخول عالم المقاولة والشغل، ضمن مقاربة سياسية شاملة قوامها العمل على تأمين تغطيتهم صحيا، منذ ولوج المدرسة، وصولا إلى التعليم الجامعي، ثم مرافقتهم عبر مخيمات صيفية وتداريب بفعل إحداث مراكز الاصطياف والأنشطة؛ من دور شباب ودور للثقافة ومكتبات بلدية، وصولا إلى فتح آفاق المستقبل عبر مؤسسات وطنية، تسعى إلى توفير آليات التكوين الذاتي والمواكبة وتنمية القدرات والكفاءات".
وأشار المتحدث ذاته إلى كون "هذه الجهود كلها وجدت بيئة خصبة ومهيأة بما يلزم لتحقيق أهدافها، على أساس أن إحداث الأقطاب الصناعية ساهم في جذب استثمارات هامة، مكنت من خلق فرص شغل عجلت بتغيير معالم المدن والحواضر، والرقي بها إلى مصاف المدن الموفرة لسبل العيش بكرامة وفي بيئة نظيفة؛ فكان برنامج القضاء على دور الصفيح الذي ساهم بدوره في إعادة تأهيل المناطق الحضرية الكبرى باعتماد حلول تقنية صديقة للبيئة وترشد استعمال الطاقة والموارد، وإعادة هيكلة مرافق المدن وخدماتها؛ فأضحت العديد من المدن خالية من الأحياء القصديرية"، وزاد: "هنا نستحضر العناية الخاصة التي شمل بها الملك الدور الآيلة للسقوط، وتلك القديمة بالمدن العتيقة، قصد الحفاظ عليها وتثمين تراثها العمراني، ما أضاف لها جمالية هندسية، وصان كرامة سكانها وجنّبهم التشرد والفقر".
قد يهمك أيضا:
محمد السادس يهنئ بوريس جونسون لتوليه منصب الوزير الأول لبريطانيا
أبرز التحولات في علاقة المغرب بأفريقيا بعد 20 عامًا من حكم محمد السادس
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر