لندن - كاتيا حداد
انتشرت الكثير من الأحاديث بشأن احتمالات إذاعة المعركة التي تخوضها القوات العراقية في مدينة الموصل، على الهواء، عبر شبكات التواصل الاجتماعي. وعلى الرغم من أن متابعة المعركة على مواقع التواصل، لن تختلف كثيرًا عن المتابعة الحية لكثير من الأحداث الأخرى، التي تتم في مناطق مختلفة من العالم، إلا أن تعامل رواد هذه المواقع مع توغل الدبابات عبر سهل نينوى من خلال الرموز التعبيرية، يعدّ تطورًا مهمًا في كيفية فهمنا للصراع في القرن الحادي والعشرين.
ويبدو أن متابعة المعركة ضد "داعش" عبر موقع "الفيسبوك"، أمرًا غريبًا بالنسبة للمتابعين بعيدًا عن أرض المعركة، ولكن بالنسبة للعراقيين فالأمر يعدّ طبيعيًا للغاية، لأن مثل هذه المواقع هي المصدر الأول الذي يمكنهم من خلاله متابعة التطورات، لا سيما وأن الجنود العراقيين يكتبون التطورات أولًا بأول على حساباتهم في تلك المواقع، هو الأمر الذي يقلل كثيرًا من قيمة الطرق التقليدية لمعرفة الأخبار.
وينشر القادة والجنود العراقيين دائمًا، التحديثات المتعلقة بأماكن وجودهم والتطورات التي تحدث على أرض المعركة، ويبثون كذلك بعض مقاطع الفيديو التي تنقل وجودهم في أماكن جديدة تم تحريرها من براثن التنظيم المتطرف، وقيامهم بتدمير أعلام التنظيم وأدواته المتواجدة داخلها.
وتعدّ صور "السيلفي"، بمثابة اتجاهًا جديدًا يتم تبنيه من قبل الجنود العراقيين، ويتم التقاط بعضها داخل مقاتلات "إف 16"، والتي تقوم بقصّف معاقل التنظيم المتطرف، بينما البعض الأخر يتم التقاطه لبعض الجنود، وهم يقفون فوق جثث عناصر الميليشيات المتطرفة الذين قتلوا في أثناء القتال بالمعركة، وأحيانًا بعد النجاة من أحد التفجيرات الانتحارية، حيث أن هذه الصورة تنتشر بصورة فيروسية عبر مختلف مواقع التواصل الاجتماعي. فمنذ أن تم السماح للجنود المتواجدين في خطوط القتال الأمامية باصطحاب تليفوناتهم المحمولة المدعومة بشبكة الإنترنت، أصبحت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، سواء "الفيسبوك" أو "تويتر"، المرتبطة بالجيش محل اهتمام كبير من قبّل المتابعين خاصة وأنها غالبا ما تكون سباقة في الكشف عن أبعاد العمليات العسكرية، التي قامت بها القوات العراقية قبل أي وسيلة إعلامية أخرى.
وأوضح دكتور جان مارك ريكلي، وهو زميل أبحاث في مركز جنيف للسياسات الأمنية، أن الكثير من الناس يلجئون إلى مواقع التواصل الاجتماعي كمصدر رئيسي للمعلومات في أزمنة الحروب، وبالطبع تكون تلك المواقع منحازة، ولكنها تعدّ وسيلة لمعرفة المعلومات قبل أي وسيلة إعلامية أخرى". وأضاف أنه ربما يكون هناك الكثير من الخطر إذا ما كان هناك إهمالًا من قبل الناشرين على تلك المواقع في ظل متابعتها من قبل عناصر التنظيم المتطرف، والذين يسعون من جانبهم لإيجاد الثغرات التي يمكن من خلالها، شنّ هجماتهم على القوات العراقية في سبيل الدفاع عن بقائهم في المدينة، والتي تعتبر أخر معاقل التنظيم في العراق.
ويمكن لعدد من كبار قادة الجيش العراقي، استخدام هذا التطور لمصلحتهم، حيث تمكنوا من حشد مئات الألاف من المتابعين لصفحاتهم من المدنيين، الذين يتوقون لمعرفة الأخبار أو مشاهدة الصور أو مقاطع الفيديو المرتبطة بالمعركة الدائرة في الموصل منذ الشهر الماضي.
واستخدم اللواء فاضل جميل البارواري، تلك الصفحات لنشر الأخبار التي تهدف إلى رفع معنويات الجنود المحاربة في الموصل، حيث نشر صورة سيلفي له مع أحد الفتيان وكتب عليها "سيلفي الانتصار في بلدة بارتيلا المحررة.. قريبًا سنكون متواجدين في قلب مدينة الموصل".
ويرى الدكتور ريكلي أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من الصراع الدولي، حيث أنها تعدّ أحد الوسائل الهامة لصياغة أي تصورات واستكشاف القيم المشتركة، موضحًا أن "داعش" كان لها السبق في استخدام تلك المواقع بدهاء كبير وكفاءة عالية، خاصة وأن الدعاية أو ما يسمى بالحرب النفسية ليست بالوسائل الجديدة في تشكيل الأراء والتأثير على النتائج. ولكن تبقى المعضلة، بحسب الباحث السياسي، متمثلة في عدم قدرة الحكومات على السيطرة على ما ينشر على تلك المواقع، موضحًا أن ليس كل ما ينشر على تلك المواقع يحمل رسائل إيجابية، فهناك ما ينشر بشأن قيام القوات العراقية بارتكاب انتهاكات إنسانية ضد الميليشيات المتطرفة، والتي يرقى بعضها لمستوى جرائم الحرب.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر